بعد فوز الأحزاب الجنوبیة الموالیة للرئاسة فی الإنتخابات البرلمانیة فی قیرغیزستان فی 4 أکتوبر 2020، وفشل الأحزاب الشمالیة فی الترشح للبرلمان، دخل الصراع الطائفی مرة أخرى للبلاد بإسم الثورة والدیمقراطیة والحریة والتسویات الشخصیة والإضطرابات السیاسیة وفراغ السلطة. تمّ إعلان بطلان نتیجة الانتخابات، واستقالت الحکومة واستقال الرئیس بعدها. من المقرر إجراء الإنتخابات الرئاسیة المقبلة فی 10 ینایر 2021، ولم یتم تحدید موعد محدد لإعادة الإنتخابات النیابیة بعد، ویقال أنّ الإنتخابات البرلمانیة ستجرى بعد التعدیلات الدستوریة فی الأشهر الستة الأولى من عام 2021.

وسط ضغوط إقتصادیة ونفسیة من تفشی فیروس کورونا، توجه مواطنو قیرغیزستان إلى صنادیق الإقتراع یوم الأحد 4 أکتوبر لإنتخاب 120 عضواً فی البرلمان بعد شهر من التحدیات السیاسیة. ومن بین 250 حزباً مسجلاً، خاض 16 حزباً الإنتخابات الأخیرة. نظرًا للحاجة إلى اکتمال النصاب بنسبة 7٪ على الأقل من الأصوات لدخول البرلمان، فازت أربعة أحزاب فقط بمقاعد فی هذه الجولة من الإنتخابات البرلمانیة، وکلّها کانت من المنطقة الجنوبیة وقریبة إلى حد ما من الرئیس سورونبای جینبیکوف. إندلعت الإحتجاجات فی بشکیک والمدن الشمالیة بعد إعلان النتائج الأولیة بیوم واحد. تجمّع المتظاهرون یوم الإثنین فی المیدان الرئیسی بالمدینة (میدان ألاتو) وانتقل أشخاص من مدن أخرى، بما فی ذلک تالیس، إلى العاصمة للإنضمام إلى المحتجین. بعض وسائل الإعلام أفادت عن وجود ما یصل إلى 20 ألف متظاهر. بعد تجمّع المتظاهرین فی ساحة ألاتو وخطاب قادة الأحزاب، إنضمّ بعض المتظاهرین المجهولین تدریجیاً إلى القصر الرئاسی (البیت الأبیض) قرب غروب الشمس، مما أدّى إلى اشتباکات مع الشرطة. مع بدء هذه الإشتباکات،  تفرّق المتظاهرون فی جمیع أنحاء المدینة وهاجموا بعض المبانی الحکومیة، بما فی ذلک مجلس النواب ولجنة أمن الدولة. نتیجة الإشتباکات التی استمرّت حتى فجر الثلاثاء، تمّ احتلال المبنى الرئاسی وإصابة نحو 600 شخص بجروح ومقتل واحد. ویحتج إحدى عشر حزباً من الأحزاب التی خاضت الإنتخابات الأخیرة على الرئیس. أطلق سراح صادر جاباروف، وهو شخصیة شمالیة بارزة کان یقضی عقوبة بالسجن من قبل الأشخاص الذین احتلّوا عمداً مرکز احتجاز لجنة أمن الدولة، وبدعم من مؤیدیه وعدد من بعض أعضاء البرلمان، تولّى منصب رئاسة الوزراء. ولم یقبل الرئیس، الذی کان یتمرکز فی مکان مجهول حول المقر الحکومی، استقالة رئیس الوزراء السابق. أظهرت أنباء فراغ السلطة بسبب إستقالات المدیرین السابقین والتعیینات الجدیدة، مثل استقالة القائد العام ورئیس لجنة الأمن الوطنی. الأحزاب النشطة وبناءً على مصالحهم الخاصة، إتّخذوا موقفًا وقاموا بتعیین مرشحین للمناصب الرئیسیة فی البلاد. مع اشتداد التوترات بین سکان شمال وجنوب البلاد، هتف المتظاهرون بشعارات مناهضة للفساد والرشوة وإساءة استخدام السلطة، مطالبین بإلغاء نتائج الإنتخابات واستقالة الرئیس. فی نهایة المطاف، أعلن الرئیس حالة الطوارئ فی بیشکیک و ساد الأمن فیها، على الرغم من معارضة بعض الممثلین والأحزاب لإعلان حالة الطوارئ، إلا أنّ الوضع الأمنی فی بیشکیک کان محکومًا فعلیًا بنشر معدات وقوات عسکریة.  ونتیجة للضغوط الشدیدة واحتمال وقوع اشتباکات عنیفة، وقّع الرئیس مرسوماً مع رئیس الوزراء جاباروف ورفع حالة الطوارئ، وقبل البرلمان الحالی استقالته. بعد رفض رئیس مجلس النواب رئاسة الجمهوریة، تولّى رئاسة الجمهوریة ومنصب رئیس الوزراء، وبذلک دخل فی فراغ فی السلطة. فی الوقت الحالی، وبسبب خلافات الرأی فی البلاد، لم یتم الإعلان عن الموعد المحدد لإجراء انتخابات مجلس النواب. أعلن جاباروف أن الإنتخابات البرلمانیة ستجرى فی الأشهر الستة الأولى من عام 2021 (قبل یونیو) بعد التعدیلات الدستوریة. أعلنت لجنة الإنتخابات المرکزیة أن الإنتخابات الرئاسیة ستجرى فی 10 ینایر، ویمکن للمرشحین لهذا المنصب التسجیل حتى منتصف نوفمبر. فی غضون ذلک، یعتزم جاباروف خوض الإنتخابات الرئاسیة، بصفته أحد المرشحین، (وفقًا للقانون، لا یمکن للشخص المسؤول عن الرئاسة الترشح للرئاسة). وهی واحدة من أکثر القضایا تحدیًا فی المستقبل.

جذور النزاعات:

منذ إستقلال عام 1991 تنقسم السیاسة فی قیرغیزستان إلى شمال وجنوب بسبب سیاقها القبلی. تمحور جزء کبیر من التنمیة الداخلیة فی البلاد حول وحشیة الرئیس وسلطاته، والبنیة السیاسیة للبلاد ککل. وهذا یعود إلى عدم وجود توزیع متوازن للسلطة بین القبائل. على مدار الثلاثین عامًا الماضیة، لم تکن قیرغیزستان قادرة على تحدید وتنفیذ النظام والهیکل السیاسی للبلاد بشکل صحیح، على الرغم من اتخاذ خطوة نحو الدیمقراطیة وخلق مساحة سیاسیة مفتوحة نسبیًا تعد امتیازًا مقارنة بدول آسیا الوسطى الأخرى. على الرغم من أنّه وفقاً للدستور فإنّ الهیکل السیاسی لهذا البلد،  هو برلمانی ویجب أن یکون البرلمان هو صانع القرار الرئیسی، إلا أنّ نظام وهیکل هذا البلد من الناحیة العملیة والتنفیذیة رئاسیان والرئیس هو صانع القرار الرئیسی والبرلمان یکاد یطیع أوامره. لذلک، لطالما اعتبرت تصرفات الطیف الحاکم من قبل الطیف الآخر تسویة. غالبًا ما یُقابل عزل أو اعتقال شخصیات بارزة من أی طائفة، بتهم الفساد أو إساءة استخدام السلطة، باحتجاجات ویمهد الطریق لأعمال الشغب. فی الانتخابات الأخیرة، فشل الحزب الإشتراکی الدیمقراطی فی قیرغیزستان، الذی شارک فی تأسیسه الرئیس السابق أتامباییف، الموجود حالیًا فی السجن ومقر حزبه فی المنطقة الشمالیة من البلاد، فی بلوغ النصاب القانونی لدخول البرلمان. فاز حزبا بیرمدیک (بمعنى الوحدة والتضامن) وحزب مکنیم قیرغیزستان (موطن قرغیزستان) بالأغلبیة فی البرلمان بدعم من أقارب وأنصار الرئیس. وبهذه الطریقة، حفز المزیج الجنوبی تمامًا للسلطة فی البرلمان والحکومة تیارات أخرى للسلطة وتشکیل الاحتجاجات.

التطورات السیاسیة الأخیرة فی قیرغیزستان وآثارها:

کان لتکرار الأحداث الثوریة فی قیرغیزستان آثار کبیرة على السیاسة والحکومة فی البلاد. الإشتباکات الأخیرة ستؤدی إلى توسیع الإنقسام الطائفی فی البلاد. إضافة إلى ذلک، إهتزت کفاءة الهیکل السیاسی والقانونی، بما فی ذلک الإنتخابات. إن عدم ثقة الناس فی نظام الحزب والأحزاب والسیاسیین واضح. یُشار إلى الفساد والمحلیة على أنهما أهم المشاکل السیاسیة فی البلاد، حیث قال جاباروف: "یجب تغییر جذور مکافحة الفساد. لن یتحقق شیء بسجن الفاسدین ورجال الأعمال عدیمی الضمیر!"والتکلفة الوحیدة لسجنهم ستکون فی أیدی الحکومة، ولن یتم تعویض ملایین السوم (العملة القیرغیزیة) من خلال وجودهم فی السجن". النضال من أجل التعیینات الجدیدة هو جزء آخر من مشاکل قیرغیزستان، مما یؤدی إلى عدم الإستقرار الإداری فی البلاد. بشکل عام، نرى أن عدم الثقة فی الشخصیات والشخصیات السابقة قد أدى إلى میل أکبر نحو الشخصیات الجدیدة والشابة فی الحکومة الحالیة.

الآثار الإقتصادیة لعدم الإستقرار الأخیر:

شهد اقتصاد قیرغیزستان رکودًا فی الأشهر الأخیرة بسبب مرض القلب التاجی وعودة مواطنی قیرغیزستان من الخارج، وکان نموها أبطأ من المتوقع، حیث انخفض بنسبة 6٪. وحتى منتصف تشرین الثانی (نوفمبر)، قُدرت حصیلة القتلى بکورونا بنحو 1200، وهو رقم مرتفع مقارنة بعدد سکان قیرغیزستان البالغ 7 ملایین. یعد هروب رؤوس الأموال أهم مشکلة تشهدها البلاد فی الأشهر الأخیرة، وستزداد حدتها بعد أحداث أکتوبر. أفادت بعض وسائل الإعلام عن سحب ملایین الدولارات لرأس المال وما تلاه من اعتقال لبعض الرأسمالیین. تواجه الحکومة حالیاً مشکلة خطیرة فی حل عجز الموازنة وتمویل النفقات الجاریة. تمّ استلام حوالی نصف 700 ملیون دولار من المساعدات الخارجیة، ولم یتم اتخاذ أی إجراء لدفع الباقی. فی مثل هذه الظروف، أصبحت تکالیف الإحتجاجات والصراعات عبئًا على إقتصاد البلاد الضعیف. سوف تتضاعف تکلفة الإنتخابات بسبب بطلانها سوف تتضاعف وتصل إلى ملیار صوم. المشاکل الإقتصادیة کبیرة لدرجة أن الحکومة لا تملک الأموال اللازمة لإعادة بناء المبانی الرئاسیة والبرلمانیة التی دمرت نتیجة الإحتجاجات.

التطورات الأخیرة والسیاسة الخارجیة لقیرغیزستان

تشترک قیرغیزستان فی الحدود مع طاجیکستان وأوزبکستان مع کازاخستان. سیکون لاستقطاب السیاسة فی هذا البلد تأثیر سلبی على العلاقات مع هؤلاء الجیران. ستشکل مناطق جنوب قیرغیزستان تحدیات أمنیة على آسیا الوسطى بأکملها فی ضوء المشاکل الإقتصادیة والإجتماعیة. روسیا شریک إقتصادی وأمنی مهم لقیرغیزستان. لها نفوذ وقواعد عسکریة فی قیرغیزستان وترتبط بها من خلال عدد من المبادرات، بما فی ذلک معاهدة الأمن الجماعی، والإتحاد الإقتصادی الأوراسی وإتفاقیة شنغهای. یعمل عدد کبیر من سکان قیرغیزستان فی ذلک البلد. تعتبر روسیا الشریک التجاری والإقتصادی الرئیسی لقیرغیزستان، وقد لعبت دائمًا دورًا فی تنمیة البلاد. بالنسبة لحکومة جاباروف أو أی حکومة أخرى، یعتبر تطبیع العلاقات مع موسکو أهم جدول أعمال إقتصادی وإجتماعی. الرئیس الروسی یصف الأحداث الأخیرة فی قیرغیزستان بأنها کارثة. لعبت المملکة المتحدة أیضًا دورًا فی مشارکة قیرغیزستان فی تعدین الذهب وتصدیره. یطالب شعب قیرغیزستان بإعادة أصول البلاد التی تمّ نقلها بشکل غیر قانونی إلى لندن. لا تزال الصین، الدولة التی قدمت أکبر مساعدة مالیة إلى قیرغیزستان حتى الآن وهی أکبر مقرض لقیرغیزستان، تراقب بصبر التطورات على الرغم من الأجواء السیئة السائدة فی قیرغیزستان. تهتم الولایات المتحدة بوجودها فی قیرغیزستان لاحتواء الصین. یقال أحیانًا أنّ السفارة الأمریکیة هی أحد الفاعلین وراء الإضطرابات فی قرغیزستان. فی مثل هذه الظروف، تعتبر قیرغیزستان، کعضو فی الإتحاد الإقتصادی الأوراسی ومنظمة شنغهای للتعاون، مهمة جدًا لإیران. یمکن أن تکون قیرغیزستان إحدى الروابط بین إیران والصین عبر آسیا الوسطى. إنّ الوضع الإقتصادی فی قیرغیزستان یمکن أن یخلق فرصًا جیدة للمستثمرین والشرکات الإیرانیة لإنتاج وتصدیر منتجاتهم إلى دول أوروبا وآسیا الوسطى. من ناحیة أخرى، یمکن لطرق إیران أن تخلق فرصًا جیدة لربط قیرغیزستان بالأسواق العالمیة والأوروبیة. موانئ إیران الجنوبیة، ولا سیما تشابهار، فرص جیدة لقیرغیزستان،التی لا تستطیع الوصول إلى المیاه المفتوحة،لتصدیر واستیراد البضائع. لذلک، فإن التطورات الداخلیة فی قیرغیزستان کبلد فی آسیا الوسطى مهمة لجمیع الأطراف الدولیة والإقلیمیة، بما فی ذلک الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"