مَنحت جائزة نوبل للسلام هذا العام لبرنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة. هذه الجائزة تأسست منذ عام 1901، وتُمنح سنویًا لأولئک الذین قدّموا أکبر قدر من الخدمات للإنسانیة فی مختلف المجالات وللمساعدة فی تحقیق السلام. لجنة التحکیم تتألف من لجان متخصصة تُمنح على أساسها جوائز نوبل لأکثر الأشخاص استحقاقًا،  سواء أکانوا طبیعیین أم قانونیین،  فی مجالات علم وظائف الأعضاء أو الطب والفیزیاء والکیمیاء والأدب والإقتصاد والسلام. یبحث هذا التقریر فی أسباب انتماء جائزة نوبل إلى برنامج الغذاء العالمی،  وکذلک موضوع الحق فی الغذاء فی ظل وباء کورونا وعلاقته بالسلام والتنمیة.

معلومات عامة

منذ عام 1901، مُنحت جائزة نوبل للسلام 100 مرة لـ 131 برنامجًا. وکان من بین الفائزین 90 رجلاً و 17 امرأة و 24 منظمة.  ألفرید نوبل من السوید أوصى ب 31.5 ملیون کرونة سویدیة من ثروته لإنشاء مؤسسة لمنح جائزة سنویة لأولئک الذین قدّموا أکبر خدمة لمصالح الإنسانیة.  کما أعلن أنّه تم تعیین لجنة مؤلفة من خمسة أعضاء من قبل البرلمان النرویجی لتبت فی الأمر. حتى عام 1960،  مُنحت جائزة نوبل فی الغالب لرجال بیض من أوروبا القاریة والولایات المتحدة. ومُنحت جائزة نوبل بُعدًا عالمیًا من خلال منح الجائزة لناشط حقوقی من جنوب إفریقیا فی عام 1960 . . منذ عام 1980،  تمّ منح ما مجموعه 26 جائزة نوبل للسلام للفائزین من دول غیر أوروبیة ودول أمریکا الشمالیة. "جائزة نوبل تُمنح للشخص الذی یبذل أقصى الجهود وأفضلها لتأسیس الأخوة والصداقة بین الأمم، والقضاء على النزعة العسکریة أو الحد منها، وإقامة السلام وتعزیزه" بحسب ما ذکر مؤسس الجائزة. تمّ منح الجائزة لتحدید مجموعة متنوعة من جهود السلام على مر السنین. فی السنوات الأولى التی سبقت الحرب العالمیة الأولى،  کانت الجائزة تُمنح غالبًا لرواد ومنظمی حرکات السلام. وخلال الحرب،  برز إلى الواجهة سیاسیون عملوا من أجل السلام والإستقرار والعدالة الدولیة من خلال أدوات الدبلوماسیة والإتفاقیات الدولیة. کما تّم ترشیح المؤسسات والأفراد العاملین فی مجال الخدمات الإنسانیة لجائزة نوبل. بعد الحرب العالمیة الثانیة، کانت جائزة نوبل للسلام على جدول الأعمال إلى حد کبیر تقدیرًا للجهود المبذولة فی أربعة مجالات رئیسیة، بما فی ذلک السیطرة ونزع السلاح ومفاوضات السلام والدیمقراطیة وحقوق الإنسان والجهود المبذولة لبناء عالم أفضل وأکثر سلامًا. فی القرن الحادی والعشرین، تسعى لجنة نوبل للحد من أضرار وتهدیدات تغیّر المناخ والبیئة من خلال التدخل البشری لتکون جزءًا من الأنشطة المتعلّقة بالسلام للإنسانیة،  ویعتبر الناشطین فی هذا المجال أیضًا أحد المرشحین لجائزة نوبل للسلام.

جائزة نوبل والأمم المتحدة

فازت العدید من وکالات الأمم المتحدة بجائزة نوبل للسلام عدة مرات بسبب خدماتها المتمیزة وجهودها للمجتمع البشری ولمساهمتها فی نشر السلام. بالإضافة إلى الوکالات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة، فاز المسؤولون عن الأمم المتحدة أیضًا بجائزة نوبل. وأیضاً برنامج الغذاء العالمی، مفوضیة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئین (UNHCR) لمرّتین، ومنظمة العمل الدولیة والیونیسیف وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والوکالة الدولیة للطاقة الذریة ومحمد البرادعی (بالاشتراک)، الهیئة الحکومیة الدولیة المعنیة بتغیر المناخ. جنبا إلى جنب مع Algor (نائب الرئیس الأمریکی السابق) ومنظمة حظر الأسلحة الکیمیائیة، فازوا بجائزة نوبل. کما منحت لجنة نوبل الجائزة لکوفی عنان لجهوده فی تنشیط الأمم المتحدة، وتعزیز حقوق الإنسان فی جمیع أنحاء العالم، ومحاربة انتشار فیروس نقص المناعة البشریة HIV  فی أفریقیا، ومکافحة الإرهاب الدولی. فی الواقع، فاز کوفی عنان بجائزة نوبل للسلام عام 2001 بالإشتراک مع الأمم المتحدة. ووفقًا للجنة نوبل، فقد لعب خلال فترة ولایته دورًا مهمًا فی تنسیق وتنظیم العلاقات بین الحکومات، وحصل على جائزة نوبل للسلام بسبب جهوده الکبیرة لبناء عالم أفضل وأکثر سلامًا. مع ذلک، فاز قبله الأمین العام الثانی للأمم المتحدة، داغ همرشولد Dag Hammarskjold، بجائزة نوبل للسلام فی عام 1961 (بعد وفاته).  بالإضافة إلى ذلک، فی الأعوام 1917 و 1944 و 1963 فازت اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر بجائزة نوبل للسلام ثلاث مرات لجهودها الإنسانیة المتمیزة.                                         

حصول برنامج الغذاء العالمی على جائزة نوبل للسلام

أعلنت لجنة نوبل فی 9 أکتوبر 2020، عن منح جائزة نوبل للسلام  لبرنامج الغذاء العالمی التابع للأمم المتحدة. وعزت اللجنة القرار إلى جهودها لمکافحة الجوع، والمساهمة فی تحسین السلام فی المناطق المتضررة من النزاع، وجهودها کقوة دافعة لمنع استخدام المجاعة کأدوات حرب. قالت لجنة نوبل فی بیان أنّ برنامج الغذاء العالمی التابع للأمم المتحدة هو أکبر هیئة إنسانیة تشارک فی مکافحة الجوع وتعزیز الأمن الغذائی. فی عام 2019، ساعدت المنظمة حوالی 100 ملیون شخص فی 88 دولة من ضحایا المجاعة. إنّ عمل برنامج الأغذیة العالمی لصالح البشریة جهد یجب أن تدعمه جمیع دول العالم.

الجوع والتنمیة المستدامة

الأهداف الإنمائیة للألفیة (MDG)، والتی تم وضعها فی سبتمبر 2000 مع ثمانیة تطلّعات رئیسیة للمجتمع البشری ووافقت علیها الجمعیة العامة، هی القضاء على الفقر المدقع والجوع کهدف أساسی لهذا النهج، والذی اتفقت علیه 191 دولة و 22 منظمة مؤسسیة. فی نهایة البرنامج (2015)، تمّ تحدید جهد عالمی‌شامل للقضاء على الفقر والجوع. فی نهایة فترة الأهداف الإنمائیة للألفیة، وافقت الجمعیة العامة على قمة أهداف التنمیة المستدامة (SDG) لعام 2015. تم إدخال إنهاء الجوع فی هذا النهج، وتحقیق الأمن الغذائی والتغذیة الأفضل، والتنمیة الزراعیة المستدامة باعتبارها الهدف الثانی من الأهداف السبعة عشر لأهداف التنمیة المستدامة. إن تخصیص مثال مستقل لتحدی الفقر (المثال الأول) ومثل آخر مستقل لاستئصال الجوع (المثل الأعلى الثانی)، فی هذه الوثیقة، یوضح النهج الجاد للمجتمع الدولی تجاه هذین التحدیین البشریین المهمین.

کوفید 19 وبرنامج الغذاء العالمی

لعب وباء کوفید 19 دورًا مکثفًا بین ضحایا الجوع فی العالم. فی بلدان مثل الیمن، وجمهوریة الکونغو الدیمقراطیة، ونیجیریا، وجنوب السودان، وبورکینا فاسو، أدّت الأعمال العدائیة  إلى جانب توسیع نظام کوفید  91، إلى زیادة عدد ضحایا الجوع والمجاعة. فی ظل هذه الظروف، من المتوقع أن یلعب برنامج الغذاء العالمی دورًا فعالاً فی توفیر الغذاء الأساسی الذی یحتاجه الضحایا. وقالت لجنة نوبل: "حتى الیوم الذی نحصل فیه على اللقاح ضد کوفید 19 ، فإنّ الغذاء هو أفضل لقاح ضد هذه الکارثة البشریة".

وتجدر الإشارة إلى أنّه وفقًا لآخر تقریر للأونکتاد (مؤتمر التنمیة والتجارة التابع للأمم المتحدة) ، فی أعقاب وباء کوفید 19 والحاجة إلى التباعد بین الناس، إضطرت الحکومات إلى إغلاق جزء کبیر من إقتصادها، بحیث تقدر منظمة العمل الدولیة من بین 500 ملیون وظیفة فی جمیع أنحاء العالم معرّضة للخطر، معظمها فی البلدان النامیة، وبعضها (على الأقل 100 ملیون وظیفة) فقدت إلى الأبد. وبحسب التقریر، بحلول نهایة عام 2020، سیعانی ما بین 90 و 120 ملیون شخص فی البلدان النامیة من الفقر المدقع والجوع وسوء التغذیة.

بشکل عام، یتقلّص الإقتصاد العالمی فی أعقاب وباء کورونا، ومن المتوقّع أن یتقلّص الناتج المحلی الإجمالی العالمی‌بنسبة 4.3 فی المائة هذا العام إلى أکثر من 6 تریلیونات دولار. بالإضافة إلى ذلک، ستنخفض التجارة العالمیة بنسبة 40 فی المائة وستنخفض تحویلات العمال الأجانب إلى أکثر من 100 ملیار دولار. من الواضح أنّ هذه الإحصائیة لا تقدم صورة واضحة لتحقیق هدف القضاء على الجوع حتى نهایة برنامج الخمسة عشر عامًا "التنمیة المستدامة" (2030). لذلک، یبدو أنّ جهود برنامج الغذاء العالمی التابع للأمم المتحدة ستکون أکثر أهمیة فی السنوات المقبلة، کمؤسسة لمنع النزاعات وتهدید السلام، وکذلک آلیة لمساعدة البشریة، سیتم تسلیط الضوء على دورها فی الساحة الدولیة.

الجوع وخطر السلام

إنّ العلاقة بین الجوع والنزاع المسلّح هی حلقة مفرغة،  تؤدی الحروب والنزاعات إلى انعدام الأمن الغذائی وتعزیز الجوع، تمامًا کما یؤدی الجوع وانعدام الأمن الغذائی إلى الحرب والعنف. واضح أننا لا نستطیع أن نصل إلى الصفر فی الکفاح ضد الجوع حتى  نهایة الحرب والصراع المسلح. فی هذا السیاق، تؤکد لجنة نوبل النرویجیة أنّ المساعدة على زیادة الأمن الغذائی لا تمنع الجوع فحسب، بل یمکنها أیضًا تحسین فرص الإستقرار والسلام فی العالم. قاد برنامج الغذاء العالمی (WFP) تعزیز العمل الإنسانی فی محاولة لإحلال السلام من خلال ریادة الأنشطة ذات الصلة فی أمریکا الجنوبیة وأفریقیا وآسیا.

کان  برنامج الغذاء العالمی‌کان مشارکًا مهمًا فی عملیة إعتماد القرار 2417 بالإجماع فی عام 2018 فی مجلس الأمن. ترجع أهمیة هذا القرار بشکل رئیسی إلى حقیقة أنه ذکر صراحة لأول مرة العلاقة بین الجوع والصراعات. فی قرار لمجلس الأمن أدان بشدة دور أعضاء الأمم المتحدة فی مساعدة المحتاجین للغذاء واستخدام الجوع والمجاعة کأدوات حرب. وأعرب عن قلقه العمیق إزاء العدد المتزاید من الصراعات المسلّحة فی أنحاء مختلفة من العالم، ویؤکّد على الحاجة إلى زیادة الجهود لمنع هذه النزاعات وحلّها، وینص القرار إلى أنّ تأثیر النزاعات على الأمن الغذائی یؤدّی إلى نزوح الناس من أجل الغذاء والماء. بالإضافة إلى الآثار الإجتماعیة والإقتصادیة، من الممکن أن یؤدی ذلک إلى انعدام الأمن وإلى صراعات أخرى. ویشدد القرار على أنّ استخدام جوع المواطنین العادیین (المدنیین) کأداة حرب یمکن أن یؤدی إلى جرائم حرب،  کما یدین بشدة منع وصول المساعدات الإنسانیة وحرمان المواطنین من المواد الأساسیة للبقاء على قید الحیاة، ویدعو الأطراف المعنیة إلى دعم هیاکل المساعدة المدنیة والإنسانیة. ویدعو قرار الأمین العام إلى تقدیم تقریر إلى مجلس الأمن کل 12 شهرًا عن الوضع الإنسانی، لا سیما بشأن خطر المجاعة وانعدام الأمن الغذائی فی البلدان التی مزقتها الحروب.                                                                                           

خاتمة

لجنة نوبل النرویجیة تلفت انتباه العالم إلى ملایین الأشخاص الذین یتضورون جوعاً أو یواجهون خطر المجاعة. ویمکن القول أنّ برنامج الغذاء العالمی لعب دورًا مهمًا فی جذب التعاون المتعدد الأطراف لضمان الأمن الغذائی کأداة للسلام، ولعب أیضًا دورًا رئیسیًا فی حشد أعضاء الأمم المتحدة لمکافحة استخدام الجوع کسلاح فی الحروب والصراعات. رغم ذلک، فإنّ الجهود غیر الکافیة، وبعبارة أخرى، الإفتقار إلى التعاون الکامل من الحکومات، بما فی ذلک الدول المتورّطة فی النزاعات والدول الأخرى، أدّى إلى الفشل فی تحقیق الأهداف والتطلعات المنصوص علیها فی أهداف التنمیة المستدامة والقرار 2417 عملیًا. إضافةً إلى ذلک، فإنّ الفراغ الکبیر المتمثل فی عدم الإستجابة لانتهاکات حقوق الإنسان الواسعة النطاق وانتهاکات سیادة القانون الدیکتاتوریة الناتجة عن المجاعة،  والمجاعة الناتجة عن تنفیذ عقوبات مجلس الأمن (کما فی حالة العراق) والنزعة الأحادیة الأمریکیة تظل بلا إجابة.

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"