العوامل المؤثرة على السلوک الإنتخابی فی الولایات المتحدة ونتائج الإنتخابات النهائیة مقسّمة إلى ثلاث مجموعات: العوامل الثابتة والعوامل المتغیّرة وحالة المرشّحین فی الولایات المتأرجحة. الغرض من العوامل الثابتة هو عوامل مثل العمر والعرق والجنس والتعلیم والدخل وهویّة الحزبیة والأیدیولوجیة مما یؤثّر على سلوکهم الإنتخابی. تشمل العوامل المتغیّرة قضایا إنتخابیة مهمّة مثل الوضع الإقتصادی والسیاسة الخارجیة والبیئة والهجرة والرضا العام والمطالبة بالتغییر. تشمل المجموعة الثالثة، الصّحة والتعلیم ومستوى الشعبیة والمیل إلى کل من المرشحین فی الولایات الذین صوّتوا لأحزاب مختلفة فی إنتخابات مختلفة وتسمى الولایات المتأرجحة. یتم فی هذا التقریر إستقصاء العوامل الثابتة التی تشکّل السلوک الإنتخابی للشعب الأمریکی.
مؤشرات متغیرة: موضوعات مهمة
تشیر المؤشرات المتغیّرة إلى العوامل والقضایا التی و على الرغم من أنها تبدو ثابتة، تختلف بشکل أو بآخر حسب ظروفها وقیمتها وأهمیتها بالنسبة للناخبین. فی الإنتخابات الخمس الماضیة، کان هناک ست قضایا من أهم القضایا بالنسبة للناخبین: الإقتصاد، وعجز المیزانیة الفیدرالیة والرعایة الصحیة والهجرة والضرائب والإرهاب. وفقًا لآخر استطلاع أجرته مؤسسة غالوب (Gallup) فی أغسطس 2020، ردًا على سؤال حول ما هی أهم القضایا التی ستؤثّر على تصویتک، اعتبر 12٪ أنّه الإقتصاد و 89٪ القضایا الغیر اقتصادیة المهمة. من بین القضایا غیر الإقتصادیة، ذکر 35٪ کورونا و 22٪ الحکومة والقیادة و 10٪ علاقات عرقیة و 4٪ وحدة وطنیة و 4٪ عنف و 3٪ صحة و 3٪ أخلاق و 2٪ هجرة و 3٪ النظام القضائی.
وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب، فإنّ الإقتصاد لیس القضیة الأولى کما کان علیه من قبل. وانخفض مؤشر الثقة الإقتصادیة، الذی بلغ 40٪ فی ینایر، إلى سالب 16٪. 56٪ یعتقدون أن فیروس کورونا أصبح الموضوع الأهم، وفی هذا الصدد، وبحسب استطلاع للرأی أجرته مؤسسة غالوب فی أغسطس الماضی، فإن 56٪ یعتقدون أن إدارة ترامب لیس لدیها خطة واضحة للتعامل مع کورونا. طبعاَ هذه النسبة هی 3٪ للجمهوریین و 93٪ للدیمقراطیین، مما یدل على حکم الحزبیة والقبلیة للمجتمع. لکن 53٪ من المستقلین لا یوافقون على إدارة ترامب فی موضوع کورونا.
حتى ما قبل إنتشار کورونا کان ترامب متفوقاَ فی المؤشر الإقتصادی. لکن وباء کورونا لم یفرغ ترامب فحسب، بل سلّط الضوء أیضًا على قضایا غیر إقتصادیة مثل العلاقات العرقیة، والحکم والقیادة، والقضایا العرقیة، وخاصة الصّحة، التی لا یتفوق فیها الحزب الجمهوری. من ناحیة أخرى، یرکز ترامب على قضایا مثل الهجرة والقانون والنظام والأمن، وحاول تسلیط الضوء على عامل التهدید الصینی فی الشؤون الخارجیة. لکن نتائج الإستطلاعات لا تشیر إلى نجاحه فی إبراز هذه القضایا فی المجتمع.
کان أهم نقاط ضعف ترامب فی السنوات الأخیرة هو مستوى رضا الجمهور عن أدائه الذی لم یتجاوز 45٪. فی استطلاع غالوب الأخیر، الذی أجری فی الفترة من 14 إلى 29 سبتمبر، حصل على 46٪ من الأصوات. وتشیر استطلاعات أخرى إلى أنّ نسبة التأیید لترامب تتراوح بین 41 و 45 بالمئة. کان جمیع الرؤساء الذین فازوا بالجولة الثانیة فی العقود الأربعة الماضیة أفضل حالًا من ترامب فی سبتمبر قبل الإنتخابات. بالطبع، ترامب فی أفضل وضع من الخاسرین کارتر وبوش الأب، لکنّه لیس بمستوى ریغان وکلینتون وأوباما وبوش الأب.
فی انتخابات عام 2016، استغلّ ترامب هویّته الغیر معروفة ومعارضته للحکومة (stablishment). ویرجع ذلک إلى عدم ثقة الرأی العام فی الحکومة الفیدرالیة الأمریکیة، والتی لها جذور تاریخیة. وفقًا لإستطلاع بیو، لا یزال عدم الثقة هذا قائماَ، لکنّه فی عام 2020 لن یکون قادرًا على استخدام هذا العامل بسبب وجوده فی السلطة. فی الإنتخابات الأربعة الأخیرة، کانت الرغبة العامة فی تغییر الحزب الحاکم من المؤشرات التی حددت نتیجة الإنتخابات. أظهر استطلاع غالوب فی سبتمبر 2019 أنّ هناک مثل هذا الإتجاه فی المجتمع الأمریکی. وبحسب استطلاع آخر، فإن 13٪ فقط راضون عن الإتّجاه السائد فی البلاد. یمکن أن یتجلّى هذا الإستیاء العام فی شکل رغبة فی التغییر فی انتخابات 2020.
إنّ وجهة النظر الهویّة/الأیدیولوجیة السائدة تدفع الطرفین إلى تحیید تفوّق کل منهما موضوعیاً. وفقًا للتقییم أعلاه وإستطلاعات الرأی الأخرى، فإن الوضع الإقتصادی لیس جیدًا کما کان فی الماضی لیکون عاملاً فی ضمان فوز ترامب. ولا یبدو أنّ تسلیط الضوء على القضایا غیر الإقتصادیة فی مصلحة ترامب والحزب الجمهوری. ساعد فیروس کورونا الدیمقراطیین على إبراز قضایا مثل الصّحة وعدم المساواة والعرق؛ ونظراً للمطالبة العامة بتدخل الحکومة والحقیقة أنّ هذه القضایا تؤثّر على نطاق أوسع فی المجتمع، فقد زادت فرصهم فی الفوز.
حتى قبل کورونا، مع استقطاب المجتمع، أصبح فوز الدیمقراطیین على ترامب أهم قضیة. وفقًا لإستطلاع FiveThirtyEightPolls، بالنسبة لحوالی 40٪ من الدیمقراطیین، کان الفوز على ترامب أهم بکثیر من آراء المرشّحین فی مختلف القضایا. من الممکن أن یساعد ذلک فی زیادة مشارکتهم فی الإنتخابات؛ فی الوقت نفسه، لا یُظهر أداء ترامب أنّه سیکون المرشّح المفضّل للطبقة الوسطى والمستقلة فی 3 نوفمبر 2020، مثل عام 2016. بینما، لا یبدو أنّ الکهل بایدن مرغوب بشکل کافٍ لجیل الشباب والطیف المتوسط والمستقل.
بشکل عام، العوامل المتغیّرة المؤثّرة على سلوک تصویت الناس فی عام 2020 هی إلى حد کبیر لصالح الحزب الدیمقراطی، لکن الوضع القبلی الراهن فی المجتمع یمکن أن یبطل هذا التأثیر.
الولایات المتأرجحة
ترک النظام الإنتخابی فی الولایات المتحدة مصیر الإنتخابات الرئاسیة، وسط إنقسام إجتماعی وسیاسی عمیق، للولایات المتأرجحة، أو الدول التی تشکل المواقع الرئیسیة للنضال. فی إنتخابات 2020، من المتوقع أن تکون فلوریدا وأوهایو ومیشیغان ونورث کارولینا وأریزونا وویسکونسن من بین هذه الولایات. وفقًا لإستطلاع للرأی أجرته الجاردیان (Guardian) فی أواخر سبتمبر 2020، بایدن 2.2٪ فی فلوریدا، 5.6٪ فی بنسلفانیا، 0.4٪ فی أوهایو، 7.1٪ فی میشیغان، 1.4٪ فی نورث کارولینا، 2.6٪ فی أریزونا، و 6.6٪ فی ویسکونسن، یتقدم على ترامب، ویتقدم ترامب بنسبة 0.4٪ فقط على بایدن فی ولایة أیوا. کما أظهرت استطلاعات نیویورک تایمز/سیینا (New York Times/Siena College) و کوینبیاک (Quinnipiac) فی أیوا وأوهایو وفلوریدا ونیفادا وویسکونسن وبنسلفانیا أن بایدن یتفوّق على ترامب. نشر موقع ریال کلیر بولیتیکس (RealClearPolitics) نتائج مماثلة. تحدد موقع بولیتیکو ولایات کارولینا الشمالیة وأریزونا وفلوریدا ونیفادا وویسکونسن وبنسلفانیا ومیتشیغان ومینیسوتا ونیوهامبشایر بأنّها ولایات متأرجحة. ویعتبر بایدن متفوقًا على ترامب فی هذه الولایات.
بإختصار، تُظهر دراسة لأهم العوامل التی تؤثر على سلوک تصویت الناس أنّه من بین العوامل الثابتة (الدخل والتعلیم وهویة الحزبیة والأیدیولوجیة والعرق والدین)، العرق، والدین، وانخفاض مستوى التعلیم لصالح ترامب و من ناحیة أخرى، یعمل العمر والهویة الحزبیة والأیدیولوجیة والعمران لصالح بایدن. من بین العوامل المتغیّرة ,الصحة، وکورونا، وعدم الرضا عن الأداء الحکومی فی إدارة کورونا، والعلاقات العرقیة، وعدم المساواة والتعلیم، هی الأکثر لصالح بایدن. وستعمل عوامل مثل العنف والهجرة والنظام القضائی، وإلى حد ما الإقتصاد، لصالح المرشح الجمهوری.
وفقًا للتقییم أعلاه، نظرًا لإستقطاب المجتمع، سیکون دور المستقلین والمعتدلین مهمًا جدًا، خاصة فی الولایات المتأرجحة. تشیر إستطلاعات الرأی الأخیرة إلى أنّه من المرجّح أنّ هذه الولایات تمیل أکثر إلى مرشح دیمقراطی؛ ومع ذلک، هذا الدعم لیس حاسماً.
خلاصة القول أنّه مع بقاء أقل من شهر على الإنتخابات (10 أکتوبر 2020)، هناک أسباب سیاسیة واقتصادیة واجتماعیة أکثر من أی وقت مضى لهزیمة ترامب، وهناک احتمال لهزیمته. ومع ذلک، فإنّ کل العوامل المذکورة أعلاه تعکس فقط میول الأفراد، وهذا یختلف عن التواجد فی صندوق الإقتراع. على الرغم من أنّ الإنقسام الإجتماعی أدى إلى ظهور رغبة قویة فی المشارکة فی الإنتخابات عام 2020، فمن المرجح أن یمنع فیروس کورونا البعض من المشارکة.
کما أنّ الحملة الإنتخابیة الذکیة یجعل الأنماط التقلیدیة لتحلیل الإنتخابات غیر فعّالة. فی هذه الإنتخابات، نظرًا لإنتشار کورونا، استثمر الطرفان بشکل کبیر فی وسائل التواصل الإجتماعی والإعلان عبر الإنترنت. فی إنتخابات عام 2016، تمکّن ترامب من جلب مؤیدیه إلى صنادیق الإقتراع بإستخدام الذکاء الإصطناعی والإعلانات الذکیة. ومن المتوقع أن یتوجّه أنصاره إلى صنادیق الإقتراع فی 3 نوفمبر. یبقى أن نرى إلى أی مدى سیتمکن مؤیدو بایدن، على الرغم من الظروف المواتیة، من الذهاب إلى صنادیق الإقتراع أو إرسال بطاقات الإقتراع فی الوقت المحدد. تُظهر هجمات ترامب على اﻟﺘﺼﻮﯾﺖ ﻋﺒﺮ اﻟﺒﺮﯾﺪ أنّه یعتزم إعلان فوزه على أساس اﻟﺘﺼﻮﯾﺖ الحضوری والطعن فی صحة اﻟﺘﺼﻮﯾﺖ ﻋﺒﺮ اﻟﺒﺮﯾﺪ. والنظام البریدی الأمریکی غیر الفعال یسمح له بالقیام بذلک.
بإختصار، العوامل الثابتة هی أکثر لصالح ترامب، والعوامل المتغیّرة لصالح بایدن، واستطلاعات الرأی فی الولایات المتأرجحة لصالح بایدن. وفقًا لذلک، یبدو أنّ هناک ثلاثة سیناریوهات أکثر احتمالًا:
السیناریو الأول، هو استمرار الإتجاه حسب إستطلاعات الرأی وانتصار بایدن فی الولایات المتأرجحة یوم الإنتخابات.
السیناریو الثانی، الجدل حول نتائج الإنتخابات البریدیة بسبب عدم کفاءة نظام البرید الأمریکی.
السیناریو الثالث، هو مشارکة عدد کبیر من أنصار ترامب فی الإنتخابات وغیاب أنصار بایدن بسبب کورونا وغیاب المستقلّین فی الإنتخابات، بسبب شکوک حول قدرة بایدن على إدارة البلاد بسبب تقدّمه فی السن وبالتالی إنتصار ترامب.
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"