على الرغم من أنّ الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة هی مسألة داخلیة تتعلق بتحول السلطة داخل الولایات المتحدة، ولکن لأسباب متنوعة، تعتبر حدثًاً على نطاق یتجاوز الأطراف الوطنیة. إنّ الإنتخابات الأمریکیة لیست مجرد ظاهرة داخلیة، إنّها ساحة جماعیة للعدید من الأطراف الأجنبیة. تعکس الإنتخابات الأمریکیة الموقف العالمی الصعب للولایات المتحدة، ویسعى اللّاعبون الدولیون إلى إدارة نتیجة هذه الإنتخابات.
اجتذبت الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة أکبر قدر من الإهتمام من قبل الخبراء والشخصیات السیاسیة. على الرغم من أنّ الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة هی مسألة داخلیة تتعلق بتحوّل السلطة داخل الولایات المتحدة، ولکن لأسباب متنوعة، تعتبر حدثًا على نطاق یتجاوز الأطر الوطنیة. الحملة الإنتخابیة جاریة، وعلى الرغم من التکهنات المختلفة، خاصة فیما یتعلق بإصابة الرئیس الأمریکی دونالد ترامب بـ کوفید 19، إلا أنّها فی النهایة مزیج من الغموض والوضوح. إحدى الزوایا المهمّة لهذه الإنتخابات هی الزاویة الدولیة. ربّما تکون الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة الحالیة هی الأکثر دولیة فی التاریخ المعاصر.
کیف یمکن تحلیل المنظور الدولی لهذه الإنتخابات؟ للإجابة عن هذا السؤال، یجب الإنتباه إلى "دور الفاعلین والقضایا الدولیة" و "الموقف العالمی للولایات المتحدة" والعواقب العالمیة للإنتخابات الحالیة، والتی سیتم تناولها أدناه.
أ- دور الفاعلین والقضایا الدولیة:
یمکن القول أنّ جمیع الجهات الفاعلة الدولیة تقریبًا لدیها موقف محدّد من بایدن وترامب. یأمل معظم الفاعلین الأوروبیین، الذین یشعرون بالإحباط وحتى الکراهیة تجاه ترامب، أن یأتی بایدن إلى السلطة. لکن المهم هو أنّ بعض الفاعلین غیر الأمریکیین، وراء موقفهم، قاموا بحملة لصالح مرشّح معین. على رأس هؤلاء نتنیاهو، رئیس وزراء النظام الصهیونی، الذی حوّل خطابه السنوی فی الجمعیة العامة للأمم المتحدة إلى خطاب إنتخابی لصالح ترامب. وإنّ رفاقه فی الدول العربیة فی الخلیج الفارسی لا یدعون عملیًا من أجل إعادة انتخاب ترامب فحسب، بل یتخذون أیضًا إجراءات عملیة. تهدف إلى إقامة علاقات سیاسیة عامة بین الإمارات والبحرین مع النظام الصهیونی، وهو مشروع فریق حملة ترامب، إظهار ترامب ناجحًا فی السیاسة الخارجیة، الحکومة تفتقر إلى أقل إنجاز فی السیاسة الخارجیة فی التاریخ الأمریکی المعاصر. علاوة على ذلک، فإنّ أحد الأهداف الإنتخابیة لإقامة علاقة بین هذه الدول والنظام الصهیونی هو استهداف جزء من المسیحیین الإنجیلیین فی أمریکا الذین لدیهم رؤیة خاصة للنظام الصهیونی.
بالإضافة إلى نشطاء الإنتخابات الأجانب، تحاول إدارة ترامب استخدام کل قضیة تتعلق بالسیاسة الخارجیة لکسب الأصوات. ما تفعله إدارة ترامب فی أفغانستان له جذور إنتخابیة بلا شک. بالنسبة لترامب، لا یهم مصیر أفغانستان ومصیر القوات الأمریکیة فی هذا البلد؛ ما یهم هو کیفیة استخدام هذه العملیة للفوز بالإنتخابات. کما ینبغی النظر فی إبراز دور الفاعلین الدولیین فی الخطابات الإنتخابیة. إنّ معاداة الصین ومعاداة روسیا والإعتماد على القدرة التدمیریة للفاعلین فی العملیة الإنتخابیة تمثل جانباً آخر من البعد الدولی للإنتخابات الأمریکیة. لکن ما یجب مراعاته فی خضم کل هذه الجلبة والعمل هو الموقف الدولی للولایات المتحدة وعلاقتها بالإنتخابات.
ب. الموقف الدولی للولایات المتحدة:
ما یحدث داخل الولایات المتحدة هو انعکاس للوضع الأمریکی على الصعید الدولی. الحقیقة هی أنّه فی الولایات المتحدة، فی العقود القلیلة الماضیة، کان المجتمع والنخب أقل انقسامًا وتطرفًا مما هم علیه الیوم. أصبحت أمریکا ثنائیة القطب. وکان صعود ترامب فی انتخابات عام 2016 نتیجة لهذا الإستقطاب. لکن هذه القطبیة الثنائیة لها ارتباط جدى بالسیاسة الخارجیة والعلاقات الدولیة، وهذا هو عدم التوازن فی القوة العسکریة والإقتصادیة للولایات المتحدة مع القبول العالمی لسلوکیاتها. لقد وضع تراکم الأخطاء الأمریکیة على مدى العقود القلیلة الماضیة على نطاق عالمی، والتی کان لها أحیانًا جذور وعواقب هیکلیة، إنّ الولایات المتحدة فی أدنى موقف من القبول العام، حتى بین الحلفاء وأفراد الأسرة الغربیة. هذه الظاهرة داخل الولایات المتحدة، إلى جانب التطورات الداخلیة فی هذا البلد، لا سیما على الصعید الإجتماعی قد أدّت إلى قلب المعادلات السیاسیة، وخاصة الظروف النفسیة. جمیع جهود ترامب رکّزت على إعادة البناء الروحی والنفسی للشعب الأمریکی، وهو ما فعل العکس تمامًا. مجموع أفکاره وأقواله وأفعاله جلب العار لمجموعة کبیرة من الأمریکیین، وهذا فی حد ذاته لیس شأناً داخلیاً، ولکنّه مرتبط بالوضع الدولی للولایات المتحدة. لقد تضرر الموقف الدولی للولایات المتحدة، مع ما حدث فی هذه الإنتخابات، أکثر من أی وقت مضى، ولکن فی نفس الوقت یجب أخذ التأثیر العالمی للإنتخابات الأمریکیة فی الإعتبار.
ج- العواقب الدولیة:
لا یمکن تفسیر العواقب الدولیة للإنتخابات الأمریکیة بدقّة حتى تُعرف النتیجة النهائیة. لکن لا یمکن الإستهانة بآثارها الکمیة والنوعیة. یجب أیضًا رؤیة النتائج من زوایا وجوانب مختلفة. فی هذا الصدد، فإنّ ما یتم إیلاء اهتمام أقل به هو عولمة تکنولوجیا الإنتخابات الأمریکیة. تشیر التکنولوجیا السیاسیة إلى أنواع الأدوات والقضایا والإستراتیجیات التی یستخدمها حزبان متنافسان للوصول إلى السلطة. السمة الرئیسیة لهذه التکنولوجیا هی "إضفاء الطابع الإعلامی" على الإنتخابات وظهور "المحتوى السیاسی" فی العملیة الإنتخابیة. یبدو أن هذه الظاهرة أصبحت عالمیة. أبعد من ذلک، حتى فظاظة الکلام التی أصبحت شائعة فی نقاشات الإنتخابات الأمریکیة فی السنوات الأخیرة آخذة فی العولمة. الظاهرة المذکورة تحتم الإهتمام ببعد آخر للتداعیات الدولیة للإنتخابات الأمریکیة، وهی جهود الفاعلین الدولیین لتقلیل آثار الإنتخابات الأمریکیة على طبیعتهم ومصیرهم السیاسی. تختلف هذه الظاهرة من بلد إلى آخر، وتختلف القدرات السیاسیة والإقتصادیة والإجتماعیة لکل فاعل فی التقلیل من تأثیرات الإنتخابات الأمریکیة. بشکل عام، الإنتخابات الأمریکیة لیست مجرد ظاهرة محلّیة، إنّها ساحة عالمیة للعدید من اللاعبین الأجانب. إنّ الإنتخابات الأمریکیة هی انعکاس للموقف العالمی الصعب للولایات المتحدة ویحاول النشطاء الدولیون إدارة نتیجة هذه الإنتخابات.
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"