کورونا والعلاقات الدولیة: "تعمیم القناع فی العالم" و "نزع القناع عن عالم السیاسة"

لأکثر من ستة أشهر، أحدث عامل صغیر جدًا باسم کوفید ۱۹ صدمات کبیرة وشاملة على هیکل الحیاة الفردیة والإجتماعیة على جمیع مستویات التفاعلات الوطنیة والإقلیمیة والدولیة.
15 صفر 1442
رویت 2068
سیدمحمدکاظم سجادپور

لأکثر من ستة أشهر، أحدث عامل صغیر جدًا باسم کوفید 19 صدمات کبیرة وشاملة على هیکل الحیاة الفردیة والإجتماعیة على جمیع مستویات التفاعلات الوطنیة والإقلیمیة والدولیة. نتیجة لذلک، تمّ طرح العدید من الأسئلة والمفاهیم والبیانات والإدعاءات حول آثار مرض کورونا. إلى جانب ما حدث لحیاة الناس العادیین حول العالم وجعل الحیاة خارجة عن المألوف للجمیع، أصبح کورونا موضوعًا مثیرًا للجدل بین المنظّرین والممارسین للسیاسة الخارجیة والعلاقات الدولیة. وهناک عشرات الآراء حول العلاقة بین کورونا والعلاقات الخارجیة. لکن لا یزال هذا السؤال الجاد یحتاج إلى مزید من التفکیر، وهو "کیف یمکن تحلیل علاقة کورونا والعلاقات الدولیة؟" للإجابة على هذا السؤال، یمکن إثارة ثلاثة مفاهیم "الإضطراب التحلیلی" و "تعمیم القناع فی العالم" و "نزع القناع عن عالم السیاسة"، والتی نناقشها أدناه.

 أ. الإضطراب التحلیلی

على مدى الأشهر القلیلة الماضیة، جرت مناقشات مختلفة، والتی تعکس بعضها تناقضات فکریة عمیقة فی کیفیة تحلیل العلاقات الدولیة. فی هذا الصدد، تمّ تقدیم ثلاثة أنواع من التحالیل على الأقل خلال هذه الفترة. المجموعة الأولى ترى آثار کورونا فی العلاقات الدولیة کبیرة لدرجة أنها تتحدث عن "عالم ما بعد کورونا" و "النظام العالمی الجدید بعد کورونا" و "إزالة النظام القدیم وخلق نظام جدید". المجموعة الثانیة سلّطت الضوء على عدم أهمیة کورونا فی هیکل القوة فی العالم وهم لا یرون تأثیرًا خطیرًا على نشاط هذا الفیروس الصغیر الذی ابتلی به ملایین الأشخاص حول العالم، والمجموعة الثالثة تشمل الحالة بین هذین الطیفین. دون الخوض فی طبیعة أی من هذه الإفتراضات التحلیلیة، یجب القول أنّ کورونا تسبّب فی اضطراب تحلیلی فی العالم فی حالة العلاقات الدولیة. وجذر هذا الإضطراب، بالإضافة إلى المعارک المعیاریة والقائمة على القیم والأیدیولوجیة فی التحلیل السیاسی، هو المیل إلى "التحالیل العابرة" وتجاهل "الصور الشاملة والإتجاهات الواسعة" فی العلاقات الدولیة. وبهذه النظرة تعتبر کورونا ظاهرة مهمة للغایة فی الحیاة الإجتماعیة الدولیة ویمکن قیاس آثارها برمز المواجهة معها وهو "القناع".

 ب. تعمیم القناع على الصعید العالمی

على عکس النظریات التی تُصوّر کورونا على أنّه نهایة العولمة أو تراجعها، جعل کورونا حیاة الإنسان أکثر عالمیة. لا شک أن "عولمة الحیاة الیومیة" تأثرت بکورونا وهذا بدوره یتطلب الإنتباه إلى بعض الحقائق. الحقیقة الأولى هی أن الناس فی جمیع أنحاء العالم یرتدون أقنعة فی الوقت الحالی. لن یکون من المبالغة القول إن القناع أصبح الأداة الأکثر عالمیة لمواجهة کورونا والوقایة منه. تعمیم القناع نفسه فی العالم یتأثر  بالخوف  من کورونا وانتشار طرق التعامل معه على مستوى العالم. الحقیقة الثانیة هی المشاعر الشائعة فی جمیع أنحاء العالم بشأن مصیر الفرد والأسرة والإنسان نتیجة لهذا المرض. والحقیقة الثالثة التی سیکون لها تأثیر عمیق على العلاقات الدولیة هی التغییر فی التفاعلات الإقتصادیة والإجتماعیة والثقافیة والسیاسیة على "المستویات السفلى لجمیع المجتمعات" بسبب کورونا الذی یؤدی بدوره إلى التغییر فی المجالات الإقتصادیة والإجتماعیة والثقافیة والسیاسیة داخل البلدان، وسیؤدی هذا بلا شک إلى تغییر "تدریجی" و "نوعی" فی العلاقات الدولیة داخل المجتمعات. بعبارة أخرى، التغیرات الناتجة عن کورونا فی العلاقات الدولیة لا تنشأ من قمة أهرام القوى العالمیة، بل بدلاً من ذلک  یتم تشکیل هذه التغییرات فی قاعدة الأهرام و المجتمعات البشریة. التغییر من الأسفل ولیس التغییر من الأعلى، وتأثیر التغییر فی القاعدة على التغییرات فی القمة فی مجال العلاقات الدولیة عقب إنتشار کورونا هو أمر یستحق التأمل.

 ج. نزع القناع عن السیاسة الدولیة

بالإضافة إلى هذا التغییر النوعی، أزال کورونا القناع عن السیاسة الدولیة و "السیاسة العالمیة الموجّهة نحو القوة". هکذا أولاً، أظهر کورونا أن القوى العظمى التی ترید أن تظهر فی قلب کل العلاقات الدولیة وتسیطر علی مصیر العالم لا تتوافق مع الواقع. أزال کورونا مجد القوى العظمى وعلى رأسها الولایات المتحدة. ثانیًا، أثبت کورونا أن الأبعاد غیر الصلبة للقوة ، وأهمها القدرات الصحیة والطبیة للدول مهمة جدًا فی توفیر الأمن والتی یجب مراعاتها بما یتماشى مع أبعاد القوة الصلبة. ثالثًا، یوضح أن ممارسة الطاقة عن بُعد لا تخلق الأمن. وأوضح أیضًا أن القرب الجغرافی والحدود القریبة أمران مهمان للغایة. فی وقت لم تکن الرحلات الجویة التجاریة ممکنة بسبب انتشار کورونا، رکزت التفاعلات بین الجیران على أساس النقل البری لتلبیة احتیاجات الدول. ملخص الحدیث حول کورونا والعلاقات الدولیة وما یجب قوله عن الإضطرابات التحلیلیة فی دراسة آثار کورونا على العلاقات الدولیة هو أن کورونا جعل طبیعة الحیاة العادیة أکثر عالمیة. وأصبح القناع عالمیًا وتمت إزالته عن السیاسات القائمة على السلطة والقوى العظمى. السیاسة فی العالم خلال عصر کورونا تتحول من داخل المجتمعات والمستویات السفلى. وقد أدى کورونا، بصفته ناشط صغیر وفعّال فی الحیاة، إلى التحوّل فی السیاسة الدولیة فی جمیع البلدان. یمکن تحلیل علاقة کورونا والعلاقات الدولیة من خلال النظر أفقیًا ولیس عمودیًا.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است