مکن اعتبار استراتیجیة الولایات المتحدة لآسیا الوسطى فی 2019-2025 ، التی تم إعلان عنها بعد زیارة وزیر الخارجیة مایک بومبیو إلى کازاخستان وأوزبکستان وعقد القمة الخامسة C5+1 (خمس دول فی آسیا الوسطى) فی 5 فبرایر 2020 ، بدایة مرحلة جدیدة من السیاسة الخارجیة الأمریکیة فی آسیا الوسطى فی منافسة مع الصین وروسیا فی المنطقة. فی هذه الاستراتیجیة، بالإشارة إلى تعاون حکومة الولایات المتحدة مع دول آسیا الوسطى لتعزیز استقلالهم عن الجهات الفاعلة الخبیث، تم تحدید ستة أهداف تشم : دعم وحمایة سیادة واستقلال دول آسیا الوسطى، الحد من التهدیدات الإرهابیة فی المنطقة، ودعم الإستقرار فی أفغانستان، تشجیع التواصل بین آسیا الوسطى وأفغانستان، تعزیز سیادة القانون وحقوق الإنسان، وزیادة الإستثمار الأمریکی. وأکثر ما یتم التأکید علیه فی هذه الإستراتیجیة هو دعم سیادة واستقلال دول آسیا الوسطى. الموضوع الذی أثاره بومبیو قبل رحلته إلى کازاخستان وأوزبکستان، وقال إن "دول آسیا الوسطى ترید أن تکون ذات سیادة مستقلة ، واشنطن هی فرصة مهمة لمساعدتهم على تحقیق هذا الهدف". کما أقرّ بأنّ "هناک العدید من الأنشطة فی المنطقة . "أنشطة الصینیین، أنشطة الروس".
على الرغم من أنّ الولایات المتحدة أولت اهتمامًا وثیقًا لآسیا الوسطى منذ بدایة استقلال هذه المنطقة المهمة وقد مرّت بمراحل مختلفة من العمل معهم حتى الآن، لکن سلوک السیاسة الخارجیة الأمریکیة فی المنطقة فی هذه المرحلة الجدیدة، عندما اشتد المناخ التنافسی فی النظام الدولی والصین وروسیا فی قلب هذه المنافسة، یثیر السؤال أن: "ما هی أهداف السیاسة الخارجیة الأمریکیة الجدیدة فی منطقة آسیا الوسطى، فی ظل ارتباط المنطقة بالصین وروسیا؟". إذا أردنا دراسة سلوک السیاسة الخارجیة الأمریکیة فی منطقة آسیا الوسطى، فیمکن رؤیة ثلاث مراحل متمیزة فیها: أولاً، من بدایة استقلال هذه الدول من عام 1991 إلى 11 سبتمبر 2001 ، والثانی من عام 2001 إلى عام 2015 ، وأخیراً من عام 2015 حتى الآن. تتمیز المرحلة الأولى من السیاسة الخارجیة الأمریکیة بالنظرة التأسیسیة لإقامة علاقات مع دول آسیا الوسطى وتصدیر القیم الغربیة والدیمقراطیة. فی المرحلة الثانیة، مع أحداث الحادی عشر من سبتمبر، تصبح وجهة النظر الأمریکیة أمنیة . تستولی الولایات المتحدة على قواعد فی قیرغیزستان وأوزبکستان ویأتی معظم الدعم الأمریکی للحرب ضد قوات التحالف مع طالبان عبر المنطقة بمرافقة روسیا. لکن فی نفس الوقت، لهذه المرحلة میزة أخرى، وهی دعم الولایات المتحدة للثورات الملوّنة التی بدأت فی القوقاز وتتجلى فی قرغیزستان.
من ناحیة أخرى، فإن الجهود الأمریکیة لتوسیع الناتو فی المنطقة تشکّل مصدر قلق حقیقی لروسیا ودول المنطقة ، والتی بلغت ذروتها فی حرب روسیا وجورجیا عام 2008 . فی هذه المرحلة، واجهت المحاولة الأمریکیة لتغریب الحکومات فی المنطقة مواجهة شدیدة مع روسیا، وفسح الإنسجام الطریق للمنافسة والمواجهة. میزة أخرى لهذه المرحلة هی إبراز دور الصین فی استراتیجیة الولایات المتحدة. إن حضور الصین القوی فی المشاریع الإقتصادیة فی آسیا الوسطى، وخاصة الإستثمار فی إنتاج ونقل الموارد الهیدروکربونیة والإستفادة من الترابط الجغرافی والتعاون داخل منظمة شنغهای للتعاون، جعل الولایات المتحدة أکثر وعیًا بقوّتها المتنامیة فی المنطقة. بدأت المرحلة الثالثة فی عام 2015 بعقد الإجتماع الأول لوزراء خارجیة کازاخستان وأوزبکستان وطاجیکستان وترکمانستان وقیرغیزستان مع وزیر الخارجیة الأمریکی فی إطار محادثاتC5+1 . وعقد الإجتماع الخامس للمحادثات فی فبرایر 2019 فی طشقند بحضور وزیرة الخارجیة الأمریکیة، بعد ذلک تمّ الإعلان عن الإستراتیجیة الأمریکیة الجدیدة فی المنطقة. وقد أثیرت فی هذه الإستراتیجیة عدة نقاط من بینها حمایة دول المنطقة من القوى الهدّامة. النقطة المهمة فی هذه الإستراتیجیة هی وضع أفغانستان فی قائمة دول آسیا الوسطى وهو ما أطلق علیه الأمریکیون فی السابق اسم "آسیا الوسطى الأکبر". لکن ما هی المنطقة التی یواجهها الأمریکیون؟ وإلى أی مدى یمکن تحقیق أهداف استراتیجیتهم فی آسیا الوسطى؟
العقبة الأولى أمام الولایات المتحدة هی الإختلاف بین أنظمة القیم لدول المنطقة وهذا البلد . إن المجتمع والسیاسة والثقافة فی منطقة آسیا الوسطى وهیکل القوة فی هذه البلدان بعیدون عن نظام القیم الأمریکی والغربی ولن یکون من السهل على الولایات المتحدة تنفیذ خططها فی المنطقة. حظی هذا الموضوع مؤخرًا باهتمام أکبر من الولایات المتحدة، وبالنظر إلى هذه الحقیقة، تحاول الولایات المتحدة فرض قیمها من خلال الدبلوماسیة الناعمة على المدى الطویل، وبالتالی إعطاء الأولویة للعمل مع الحکومات الإقلیمیة فی المقام الأول؛ وهذا شیء تدرکه حکومات آسیا الوسطى جیدًا وباغتنام هذه الفرصة، فإنّهم یحاولون استغلال سیاسة واشنطن فی تحقیق الموازنة مقابل قوى الصین وروسیا. العامل الثانی هو روسیا التی تغلّبت على العدید من نقاط ضعفها منذ انهیار الإتّحاد السوفیتی وتراقب المنطقة التی تعتبرها منطقتها الحیویة بدقّة. إنّ الروابط الإقتصادیة والسیاسیة والأمنیة والشعبیة بین آسیا الوسطى وروسیا لا تسمح للولایات المتّحدة بمتابعة سیاساتها ببساطة فی المنطقة وضدّ روسیا. تعد روسیا الآن أهم لاعب فی المنطقة فی السیاسة الأمنیة والإقتصادیة فی شکل علاقات ثنائیة ومنظمات أمن جماعی إقلیمی، والإتحاد الإقتصادی الأوراسی، ومنظمة شنغهای للتعاون. وبحسب آخر الإحصائیات، فإنّ حجم تجارة روسیا مع دول آسیا الوسطى فی عام 2019 یعادل 26.8 ملیار یورو، أی أکثر من 10 أضعاف حجم العلاقات التجاریة بین هذه الدول والولایات المتحدة بمقدار 2.6 ملیار یورو.
بناءً على ذلک، یمکن القول إن الولایات المتحدة، وإدراکًا منها لمزایا روسیا فی المنطقة، تحاول تقلیل اعتماد دول المنطقة على روسیا من خلال إقامة علاقات اقتصادیة، خاصة فی قطاعی الطاقة والنقل. ونتیجة لذلک، تتخذ مبادرات إقلیمیة من خلال خلق فجوة بینهم. یتم تقییم ترکیز الولایات المتحدة على ربط آسیا الوسطى بجنوب آسیا عبر أفغانستان والهند ومع أوروبا عبر بحر قزوین وجنوب القوقاز فی هذا السیاق.
العامل الثالث هو الصین. یوضح الموقف الأمریکی فی السنوات الأخیرة وتصریحات وزیرة الخارجیة الأمریکیة بشأن الصین المذکورة أعلاه حقیقة أن أهم هدف أمریکی للإستراتیجیة الجدیدة هو احتواء الصین فی آسیا الوسطى والحد منها فی سیاق المنافسة العالمیة الإستراتیجیة بین البلدین. یعد موضوع الطاقة ومسلمیشینجیانغ تحدیین رئیسیین للصین التی رکّزت علیهما الولایات المتحدة بشدة فی آسیا الوسطى. من ناحیة أخرى ، تعد الصین الشریک الإقتصادی الأهم لدول آسیا الوسطى، وبلغت استثماراتها فی آسیا الوسطى فی عام 2018 ، 14.7 ملیار دولار، کما وفقًا لإحصاءات الإتّحاد الأوروبی، مع 29.5 ملیار یورو، تعد الصین ثانی أکبر شریک تجاری لمجموعة آسیا الوسطى بعد الإتحاد الأوروبی بحجم تجارة قدره 31.8 ملیار یورو. هذه القضیة، إلى جانب تقارب مواقف الدولة مع روسیا وتعاونها مع دول آسیا الوسطى فی شکل منظمة شنغهای للتعاون، وهو أمر مهم للغایة لجمیع الأطراف من الناحیة الأمنیة، أعطت هذا البلد مکانة متفوقة، والتی بالطبع تواجه التحدیات التی بالنظر إلى السکان المسلمین فی البلاد على الحدود مع آسیا الوسطى تهم الولایات المتحدة من ناحیة أمنیة. یمکن دراسة لقاء بومبیو مع الأویغور فی کازاخستان فی هذا الإطار.
من ناحیة أخرى، على الرغم من أن الهدف الرئیسی لإستراتیجیة الولایات المتحدة هو روسیا والصین فی المقام الأول، لکن لدیها أیضًا لمحة عن وجود قوى إقلیمیة أخرى، بما فی ذلک إیران فی منطقة آسیا الوسطى. على الرغم من أن حجم علاقات إیران الإقتصادیة والسیاسیة مع دول المنطقة غیر قابل للمقارنة مع الصین وروسیا، لکن قدرة إیران وإمکانات التعاون مع دول آسیا الوسطى فی شکل منظمات تعاون اقتصادی ثنائی والأوراسیوی وتعاون شنغهای، لیست القضیة التی یمکن تجاهلها فی نظر الولایات المتحدة . لکن مدى نجاح هذه الإستراتیجیة یعتمد على عدة عوامل. إقتصادیًا، لا تستطیع الولایات المتحدة منافسة الصین بسهولة فی المنطقة، على الرغم من الإستثمارات الکبیرة، لا سیما فی قطاع النفط فی کازاخستان. فی القطاعات الإقتصادیة والأمنیة الأخرى، إنّ الدور المحوری للصین وروسیا بارز للغایة. من جانب، أظهرت روسیا فی قضیتی جورجیا وأوکرانیا أنها لا تسمح بأی حال من الأحوال للقوة المهیمنة للولایات المتحدة على مصالحها الحیویة. لذلک، ونظراً لتشدید العقوبات الأمریکیة على روسیا ، والتی تخوضها حرب ثقافیة ناعمة ضد هذا البلد، فإن أی عمل أمریکی استفزازی یمکن أن یثیر رد فعل قوی من قبل روسیا. کما ذکرنا، هذه القضیة تهم أیضا دول آسیا الوسطى، وقد أظهروا أنهم مهتمون أکثر فی الإستفادة من هذه المنافسة أکثر من دفع ثمنها. على الرغم من أنّ الصین حاولت دائمًا عدم مواجهة الولایات المتحدة، وقد صرح مسئولوا البلاد مؤخرًا بأن الصین لا ترید أن تحل محل الولایات المتحدة فی نظام القوة الدولیة، ولکن السلوک العدوانی للولایات المتحدة فی فرض بعض الإجراءات والقیود ضد الصین یعکس حقیقة أن التنافس الجیوسیاسی بین القوتین قد دخل مرحلة لا رجعة فیها. نتیجة لذلک، ستصبح منطقة آسیا الوسطى الآن جزءًا من أحجیة التنافس الجیوسیاسی بین الصین والولایات المتحدة لزیادة حصّتهما من القوة فی النظام الدولی المستقبلی. أخیرًا، أعطت الولایات المتحدة مکانة خاصة لأفغانستان وربط آسیا الوسطى بجنوب آسیا عبر الهند لدفع أهدافها الإستراتیجیة؛ خطة یمکن أن تؤثر على مشروع الصین الکبیر بما یسمى حزام واحد طریق واحد، الذی أطلقت علیه الولایات المتحدة فی الماضی على أنه طریق الحریر الجدید.
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"