فی انقلاب عام 1953، أطاحت الولایات المتحدة وبریطانیا بالحکومة الشعبیة والمنتخبة للدکتور محمد مصدق، وأعادت شاه إیران الهارب إلى البلاد، وحصل على دعم کامل من الولایات المتحدة وبریطانیا کحاکم دمى. سعى الغرب، بقیادة الولایات المتحدة، إلى تقویة دیکتاتوره العمیل فی طهران لمواجهة الشیوعیة عشیة الحرب الباردة بین القوتین العظمتین، الشرق والغرب. فی مثل هذه الأجواء، نصح معهد ستانفورد للأبحاث شاه إیران باستخدام الطاقة الذریة بدلاً من حرق النفط لتولید الکهرباء، والإستفادة من هذه التکنولوجیا الجدیدة لتصدیر المزید من النفط إلى الغرب. ورحب الحاکم الإیرانی، الذی کان له أیضًا طموحاته الخاصة، بالفکرة ووضع خطة لإنتاج 20 ألف میغاواط من الطاقة النوویة بحلول منتصف التسعینیات.

فی عام 1957، وقعت إیران والولایات المتحدة اتفاقیة رسمیة بشأن استخدام الذرة. فی عام 1967، باعت الولایات المتحدة محطة طهران للأبحاث إلى إیران، والتی کانت تعمل بنسبة 90٪ من الوقود الأمریکی المخصب. دخلت الولایات المتحدة وبریطانیا وألمانیا وفرنسا فی مفاوضات مع طهران لتوقیع عقود لبناء محطات طاقة نوویة. تم إرسال الشباب الإیرانیین الموهوبین إلى الجامعات الغربیة لدراسة العلوم النوویة، فی الواقع، تم تدریب أفضل العلماء النوویین الإیرانیین، بمن فیهم الدکتور علی أکبر صالحی، الذی یرأس منظمة الطاقة الذریة الإیرانیة، من قبل جامعة MIT الأمریکیة فی السبعینیات. بعبارة أخرى، جاءت الفکرة الأساسیة للتکنولوجیا والموارد البشریة لبرنامج إیران النووی من الولایات المتحدة.

ولکن بعد انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران وتحول إیران من نظام الدمیة وشرطی الخلیج نیابة عن واشنطن إلى سیاسة خارجیة مستقلة لا تستند إلى مبادئ شرقیة أو غربیة، منعت الولایات المتحدة أی تعاون أو مبادرة تهدف إلى تعزیز وتقویة إیران، ووضعت المواجهة مع هذا النظام على أجندتها. من المجالات التی لم تتفق فیها واشنطن إطلاقاً مع تطویر إیران المستقلة هو المجال النووی الذی یمکن التأکید علیه. فی هذا الصدد، تم تعلیق کل مجالات التعاون النووی مع إیران ولم تبیع واشنطن حتى الوقود لمحطة طهران، والتی کانت تستخدم فی الأبحاث والطب والزراعة وإلخ. کما ضغطت واشنطن بشکل متزاید على جمیع الدول التی تعاونت إیران معها أو اقتربت منها لإستکمال برنامجها النووی السلمی، مثل ألمانیا وفرنسا والأرجنتین وإسبانیا وبولندا وإیطالیا وحتى الصین وروسیا لعدم التعاون مع إیران.

بعبارة أخرى، بدأت الأعمال التخریبیة للولایات المتحدة وحلفائها لصد البرنامج النووی الإیرانی وتدمیره، عملیًا بعد انتصار الثورة الإسلامیة وتشکیل النظام المستقل للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. حتى خلال حرب الثمان سنوات المفروضة على ایران، أجّرت فرنسا طائرات میراج ذات مدى أطول من الطائرات السوفیتیة الصنع وطیاریها لصدام حتى تتمکن من قصف وتدمیر محطة بوشهر1 للطاقة النوویة، والتی شید الألمان أکثر من 85٪ منها. الضغط على الوکالة الدولیة للطاقة الذریة لرفع قضیة ضد برنامج إیران النووی وإحالة إیران إلى مجلس الأمن الدولی وفرض عقوبات شاملة بحجة النووی، کانت الإجراءات الأخرى التی قامت بها الولایات المتحدة وحلفاؤها فی هذا المشروع القمعی غیر قانونیة ومتغطرسة.

استمرت هذه السلوکیات، التی تعتبرها إیران أزمة مصطنعة للضغط السیاسی والإقتصادی على البلاد وعرقلة التقدم العلمی لإیران المستقلة، بأشکال مختلفة وأصبحت سیاسة ثابتة فی الثمانینیات والتسعینیات والعقد الأول من القرن الحادی والعشرین. تدریجیًا، تم تنفیذ التعطیل من خلال البرامج الضارة مثل ستوکسنت (Stuxent) فی عام 2010، وبیع التکنولوجیا والمکونات المعیبة، واغتیال العلماء النوویین الإیرانیین، ومحاولات التخریب السیبرانی لمختلف المنشآت الإیرانیة من خلال هذه الحملة الشریرة.

إن الانفجار الذی وقع فی 2 یولیو 2020 فی موقع الشهید أحمدی روشن فی نطنز، والذی کان موضوع تکهنات مختلفة حول أسبابه وآثاره، یمکن أن یکون على الأکثر استمرارًا لسلسلة إجراءات الأعداء لضرب برنامج إیران النووی السلمی. لکن متحدثاَ باسم منظمة الطاقة الذریة لبلادنا قال فی بیان فی صباح الیوم نفسه إن "هذا الحادث لم یسفر عن أی إصابات ولم یضر بالأنشطة الحالیة لهذا المجمع (موقع نطنز)".

والسؤال الرئیسی الآن هو ما إذا کان الخصوم، بعد 40 عاما من التعطیل والتخریب والتآمر، قادرین على إیقاف إرادة وخطط الشعب الإیرانی لتحقیق المعرفة والصناعة النوویة؟

أولاً، تجدر الإشارة إلى أن إیران عضو مؤسس فی معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة (NPT) منذ عام 1968 وعضو رسمی منذ عام 1970. وفقًا للأحکام المختلفة لمعاهدة NPT، یتمتع جمیع الأعضاء بالحق غیر القابل للتصرف فی الإستخدام السلمی للطاقة والصناعة النوویة السلمیة.

ثانیًا، مع اکتمال محطة بوشهر للطاقة النوویة بقدرة 1000 میغاواط فی عام 2011 بالتعاون مع الروس، أصبحت إیران الدولة السادسة والثلاثین التی تمتلک طاقة نوویة فی العالم وأول دولة فی الشرق الأوسط. کما یتم متابعة بناء بوشهر 2 و 3 بالتعاون مع روسیا، ویتم متابعة حرکة البلاد للإستفادة من 20000 میغاواط من الطاقة النوویة.

ثالثًا، یتذکر الجمیع أنه عندما بدأت الولایات المتحدة أزمة نوویة وهمیة کاملة فی أوائل العقد الأول من القرن الحالی، کانت إیران تختبر التخصیب بعدد صغیر من أجهزة الطرد المرکزی من الجیل الأول على مستوى المختبرات. ومع ذلک، فقد وصلت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة الیوم إلى المعرفة الکاملة بالدورة النوویة وأنتجت بشکل مستقل ورکبت لوح وقود مخصب بنسبة 20٪ لمحطة أبحاث طهران للطاقة؛ وأنتجت واختبرت خمسة عشر نوعًا من أجهزة الطرد المرکزی المتقدمة، بما فی ذلک أجهزة الطرد المرکزی بقدرة تخصیب تصل إلى 70 ضعفًا للجیل الأول؛ وقامت ببناء أجهزة طرد مرکزی طبیة بسرعة 60 ألف دورة فی الدقیقة، وهی الآن تتابع برنامج دفع نووی نشط لإنتاج وقود للسفن والغواصات بوقود نووی بثراء یزید عن 60٪. وفقًا للأصدقاء والأعداء على حد سواء، تتمتع إیران الیوم بصناعة نوویة محلیة، تعتمد على المعرفة التقنیة والمنتجات الرائعة والقوى العاملة ذات الخبرة والإبتکارات والمبادرات المحلیة البارعة.

بعبارة أخرى، على الرغم من أن الولایات المتحدة وحلفائها تمکنوا فی أوقات مختلفة من إلحاق الضرر ببرنامج إیران النووی، ولکن وفقًا لخبراء مطّلعین، أولاً، کل من هذه السلوکیات جعلت إیران أکثر یقظة لإتخاذ المزید من الإجراءات الوقائیة ومحاولة تقویة تلک النقاط. کان اکتشاف فیروس ستوکسنت (Stuxnet) وتحییده کانت خطوة مهمة أدّت إلى إنشاء قدرات دفاعیة قیّمة فی الصناعة النوویة للبلاد. ثانیًا، عزز أی حادث من هذا القبیل إرادة إیران وجهودها لتحقیق القدرة النوویة. وبحسب ما تم تجربته فی السنوات العشرین الماضیة، فشلت کل الجهود المبذولة لمنع البلاد من تحقیق العلوم والتکنولوجیا النوویة، ولن یتمکن أحد من وقف تحرّک إیران الإسلامیة نحو أهدافها النوویة المحددة سلفًا.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"