إیران فی خضم التنافس بین الصین والولایات المتحدة

یهدف الإجماع الداخلی فی الولایات المتحدة إلى تباطؤ وتیرة النمو الاقتصادی والتکنولوجی فی الصین من خلال تکثیف الضغوط الشاملة. فی هذه الأثناء أدّت أزمة کورونا واقتراب الانتخابات الرئاسیة الأمریکیة إلى تفاقم التوترات. یجب على ایران اغتنام هذه الفرصة المتاحة بفراسة من أجل تأمین مصالحها الوطنیة.
14 ذو القعدة 1441
رویت 2974
غلامعلی خوشرو

یهدف الإجماع الداخلی فی الولایات المتحدة إلى تباطؤ وتیرة النمو الاقتصادی والتکنولوجی فی الصین من خلال تکثیف الضغوط الشاملة. فی هذه الأثناء أدّت أزمة کورونا واقتراب الانتخابات الرئاسیة الأمریکیة إلى تفاقم التوترات. یجب على ایران اغتنام هذه الفرصة المتاحة بفراسة من أجل تأمین مصالحها الوطنیة.

 مواجهة النمو السریع للصین

منذ منتصف إدارة أوباما تحولت نظرة أمریکا إلى الشرق، وقامت على سیاسة السیطرة والحد من نمو الصین. بحسب المسؤولین الصینیین، تم التوصل إلى إجماع غیر مکتوب بین الجمهوریین والدیمقراطیین لمواجهة الصین، ووفقًا لهذا الإجماع، إذا استمرت الصین فی النمو الإقتصادی والتکنولوجی السریع، سوف تتأثر أوروبا والولایات المتحدة وعملیًا ستتزعزع مکانتهم العالمیة.

نظراَ إلى هذه الحقیقة، تم اتخاذ قرار استراتیجی فی الحکومة الأمریکیة، لإبطاء التنمیةالصینیة. من ناحیة أخرى، ومواجهةَ مع الإجراءات  والتهدیدات الأمریکیة هناک إجماع داخلی فی الصین على أن لا یتنازلوا عن حقهم فی التنمیة بأی شکل من الأشکال. إضافةّ إلى ذلک قامت الصین باستثمار وتصدیر الخدمات التقنیة والهندسیة فی دول العالم الثالث وأفریقیا فی السنوات القلیلة الماضیة مع تجنب الصراعات الأیدیولوجیة واکتسبت نفوذاً واسع النطاق وتمکنت فعلیاً من عزل الولایات المتحدة.

إن شعارات ترامب وجهوده ضد الصین متجذرة فی هذه الرؤیة الاستراتیجیة. أحد أسس نهج ترامب إستعادة عظمة الولایات المتحدة من خلال مواجهة الصین و زیادة الضغط الدولی والإقلیمی، وحرب الرسوم الجمرکیة، وتوسیع الترهیب من الصین، وتقیید الواردات من الصین، وقبل کل شیء فرض العقوبات على الشرکات الصینیة. إضافةّ إلى ذلک، فإن نهج ترامب تجاه الصین له آثار شخصیة وانتخابیة.

اندلعت حرب تجاریة بین الولایات المتحدة والصین قبل أزمة کورونا ولکن مع بدایة الأزمة فی الصین، أثار ترامب الترهیب من الصین من وجهة نظر متطرفة وقومیة. السبب الجذری لخوفه من الصین هو النمو الهائل للاقتصاد الصینی على مدى السنوات الأربعین الماضیة. خلال هذه الفترة، ارتفعت صادرات الصین من الصفر تقریبًا إلى 2 تریلیون دولار و 655 ملیار دولار فی 2018. تعد الصین الآن ثانی أکبر اقتصاد فی العالم. فی عام 1980، کان الناتج المحلی الإجمالی للولایات المتحدة 2 تریلیون و800 ملیار دولار، و 12553 دولارًا للدخل الفردی، بینما فی نفس العام، کان الناتج المحلی الإجمالی للصین 305 ملیار دولار و 309 دولارًا للفرد. فی ذلک الوقت، کان نصیب الفرد فی الولایات المتحدة 41 ضعف نظیره فی الصین. ولکن بحلول عام 2020، سیکون الناتج المحلی الإجمالی فی الولایات المتحدة 2.3 تریلیون دولار و 76000 دولار للدخل الفردی، والناتج المحلی الإجمالی فی الصین سیکون 15 تریلیون و 500 ملیار دولار، و10،970 دولارًا للفرد. وبعبارة أخرى، خلال 40 عامًا، زاد الناتج المحلی الإجمالی فی الولایات المتحدة ثمانیة أضعاف، والدخل الفردی بمقدار خمسة أضعاف، وفی الصین بنسبة 51 ٪ و 36 للدخل الفردی. یبلغ عدد سکان الصین الآن 1.4 ملیار نسمة، أی أکثر من أربعة أضعاف عدد سکان الولایات المتحدة.

تم تحویل المجتمع الصینی على مدى السنوات ال 40 الماضیة، من التقلیدیة والزراعیة إلى الصناعیة والحدیثة مع نمو سنوی بنسبة 10٪ فی الصناعة والتصدیر. غیّر الإصلاح الاقتصادی فی الثمانینات وجه النظام الزراعی التقلیدی فی الصین. قبل هذا التعدیل، من بین کل 5 صینیین، کان 4 منهم یعملون فی القطاع الزراعی.  على مدى السنوات السبع الماضیة، کانت حصة الزراعة فی الصین أقل من 10 فی المائة من الناتج المحلی الإجمالی للصین. یعمل حوالی 30 فی المائة من سکان الصین فی الصناعة والبناء. 44٪ من الناتج المحلی الإجمالی للصین أعلى من حصة الهند (25٪)، الیابان (26٪) والولایات المتحدة (20٪). تبلغ حصة الخدمات حالیا حوالی 46٪ من الناتج المحلی الإجمالی لدرجة أنه فی عام 2013 تجاوزت  الصناعة الثانویة أیضًا. تحسین الوضع المالی للطبقة الدنیا وزیادة عدد الطبقة الوسطى یوفر سوقًا جیدًا لشرکات التکنولوجیا الرقمیة المتنامیة الناشئة فی الصین.

 التکنولوجیا الرقمیة

یجب أن یضاف النمو السریع للإقتصاد الرقمی فی الصین إلى هذه التغییرات الأساسیة ویقدّر أنه یمثّل حوالی 30 فی المائة من الإنتاج الوطنی. الیوم، 9 من أصل 20 شرکة إنترنت رئیسیة فی العالم هی صینیة. لهذا السبب أصبحت مقاطعة الولایات المتحدة لشرکة هواوی بتهمة التجسس وانتهاک خصوصیة المواطنین أحد مجالات الخلاف الرئیسیة بین الصین والولایات المتحدة. ولکن هذه العقوبات والضغوط الدولیة لم توقف بکین من التقدم.

تخطط بکین لتعزیز اقتصادها من خلال تخصیص حوالی 1.4 تریلیون دولار بحلول عام 2025 لمختلف مجالات التکنولوجیا الجدیدة والذکاء الاصطناعی. وقد طُلب من شرکات التکنولوجیا الکبیرة مثل هواوی بناء البنیة التحتیة G5  ، وترکیب الکامیرات وأجهزة الإستشعار، وصناعة المبرمجات الذکیة للمساهمة فی تطویر السیارات الذاتیة القیادة والمصانع الأوتوماتیکیة والرقابة العامة. الهدف من مشاریع البنیة التحتیة هذه هو تعزیز شرکات مثل علی بابا و هواوی و سینس تایم، والتی تدفعها بشکل فعال للتنافس مع نظیراتها الأمریکیة.

مع اشتداد "القومیة التکنولوجیة" فی الولایات المتحدة والصین،  إستثمارات بکین فی مشروع "صنع فی الصین 2025" تساعد الشرکات الصینیة على الإکتفاء الذاتی. أثارت خطط دعم بکین احتجاجات قویة من إدارة ترامب مسبقاَ.

 کورونا وتصعید الخلافات

أصبح انتشار فیروس کورونا فی الولایات المتحدة قضیة داخلیة وحزبیة للإنتخابات الرئاسیة. یدّعی ترامب أن بکین لن تدّخر جهداَ لهزیمته فی الإنتخابات وصرّح أیضاَ أنّ منافسه جو بایدن سیکون خیاراَ جیداَ للصین. هدف ترامب هو تشویه سمعة منافسه لتعاونه حسب إدعاءات ترامب مع البلد الذی نشر فیروس کورونا حول العالم. لدرجة أن ترامب هدد بقطع جمیع العلاقات الأمریکیة مع الصین.

جاءت أزمة کورونا وسط الخصومات الإقتصادیة والإستراتیجیة فی الصین. وکعامل مشدّد، زاد من توتر العلاقات بین الصین والولایات المتحدة. قُتل فی الولایات المتحدة حتى الآن أکثر من 120.000 وأصیب ما یقارب من 220000 شخص بفیروس کورونا. ووفقًا لإستطلاعات الرأی العام، فإن حوالی 70 بالمائة من الأمریکیین یعتبرون أن الصین هی سبب الأزمة. یسعى عدد من الأفراد والمؤسسات فی الولایات المتحدة وأسترالیا وألمانیا والمملکة المتحدة لمقاضاة الصین عن سریّتها التی تسببت بالأضرار الناتجة عن أزمة کورونا. المطالبة بالتعویضات التی دخل العملیة القضائیة فی بعض البلدان الغربیة، یمکن أن یؤدی إلى قضیة متوترة واسعة النطاق فی العلاقات الغربیة الصینیة. حتى بدأت بعض البلدان والشرکات وخاصةَ الیابان فی التخطیط العملی للإنسحاب من سلسلة تورید القطع من الصین وفی هذا الصدد الیابان هی الأکثر إصراراَ.

بسبب إقتراب الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة وسوء إدارة السیطرة على کورونا فی البلد، زاد ترامب العقوبات على الصین لإستهدافها فی لعبة اللوم (Blame Game). اتخذت الولایات المتحدة إجراءات داخلیة وخارجیة ضد الصین. فی مجال العلاقات الدولیة منع النزاع الصینی الأمریکی فی مجلس الأمن المواجهة العالمیة ضد کورونا.

وفقاَ للمرحلة الأولى من الإتفاقیة التجاریة، التی وقعها ترامب فی 15 ینایر، یتعین على الصین شراء 52.4 ملیار دولار من الغاز الطبیعی المسال والنفط الخام ومنتجات التکریر والفحم الحجری على مدى العامین المقبلین. ولکن مع إقرار قانون الأمن القومی من قبل الحکومة الصینیة لهونغ کونغ،  تصاعدت التوترات بین البلدین. أعلن البیت الأبیض إن هونج کونج لم تعد تعتبر منطقة حکم ذاتی وبدلاً من ذلک، تعتبرها جزءًا من الصین. هذا التعریف الجدید سوف یعرّض مکانة هونغ کونغ للخطر خاصةَ فی العلاقات التجاریة والإقتصادیة مع الولایات المتحدة. لهذا السبب أعلن أعضاء مجلس الشیوخ الأمریکی عن خطط لفرض عقوبات جدیدة على الصین. کما ضغط المشرعون الأمریکیون على الصین للتعامل مع الأقلیات العرقیة والدینیة وکذلک فرض الرقابة على المعلومات المتعلّقة بکورونا.

بینما تفتح الصین سوقها المالی البالغ 45 تریلیون دولار للجهات الدولیة، حذّر المجلس الإستشاری فی الکونغرس الأمریکی من مخاطر الإستثمار الأمریکی فی السوق، بما فی ذلک محاولة شرکات مثل ج. ب. مورجان تشیس (JPMorgan Chase) و جولدمان ساکس (Goldman Sachs) لتوسیع عملیاتهم فی الصین. کما أقر مجلس الشیوخ الأمریکی مشروع قانون یقید إستثمار الشرکات الصینیة فی الولایات المتحدة.

کما تدرس الحکومة الأمریکیة فرض حظر على إستثمار صنادیق التقاعد الحکومیة الأمریکیة فی الصین. أدرجت وزارة التجارة الأمریکیة 33 شرکة صینیة تعمل معظمها فی مجال الذکاء الإصطناعی والتعرف على الوجه على اللائحة السوداء بتهمة التورط فی قمع الأقلیة المسلمة الأویغوریة،  وستدرّج قریباً تسع مؤسسات صینیة بسبب "إنتهاکات حقوق الإنسان" بالإضافة إلى "معهد العلوم القانونیة" التابع لوزارة الأمن وثمانی مؤسسات صینیة أخرى فی قائمة "المؤسسات المحظورة".

 موقف إیران

فی النهایة، یجب القول أن المنافسة الأمریکیة الصینیة الشاملة قد تکون فرصة لإیران لمتابعة مصالحها على الرغم من العقوبات الأحادیة. هناک اعتقاد بین المسؤولین الصینیین بأن إیران ترى الصین "کبدیل آخر" بمعنى أنه طالما ایران لدیها علاقات سیاسیة وإقتصادیة جیدة مع أوروبا، فلن تولی إهتماماَ للصین وستنظر إلى الصین بشکل إستراتیجی عندما تنقطع یدها عن الغرب. لذلک، یشک الصینیون فی مستقبل العلاقات مع إیران. زیارة وزیر الخارجیة الإیرانیة للصین وتقدیم مذکرة رسمیة للتعاون بمدة 25 سنة کان هناک تأکید على رغبة إیران فی التعاون الإستراتیجی والتکنولوجی والإقتصادی الطویل الأمد مع الصین وهذا یمکن أن یطمئن الحکومة الصینیة لإستراتیجیة إیران الطویلة المدى للتعاون مع الصین.

إن موقف الصین مشوّه الآن لکنّها تحاول إصلاح الضّرر من خلال تبنّی دبلوماسیة عامة نشطة وإرسال الأقنعة مجانیة والإمدادات الصحیّة حول العالم. المساعدة المتبادلة الشعبیة والحکومیة بین الصین وإیران فی أزمة کورونا أوجدت ظرفاَ أفضل للتعاون وفتح فصلاَ جدیداَ للتعاون المشترک بین البلدین. هذه فرصة جیدة لإیران لتوسیع علاقاتها مع الصین وأن تکون أکثر نشاطاَ خاصةَ فی مجال التعاون الصّحی والإستراتیجی ومقایضة النفط. فی ظل هذه الظروف، یجب تحسین مستوى العلاقات مع الصین بحیث یمکن إستخدام أدوات سیاسیة وإقتصادیة أقوى فی التحدیات الحالیة مع الغرب.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است