أمریکا وطالبان: قصة هزیمة استراتیجیة

أعلن جورج دبلیو بوش شن العملیةالعسکریة الأمریکیة فی أفغانستان عام ۲۰۰۱ عندما تعرضت قراراته للتحدی بسبب هجمات ۱۱ سبتمبر وکان فی حالة متزایدة من الشک الإستراتیجی.
10 ذو القعدة 1441
رویت 1778
حسین فرجادامین

أعلن جورج دبلیو بوش شن العملیةالعسکریة الأمریکیة فی أفغانستان عام 2001 عندما تعرضت قراراته للتحدی بسبب هجمات 11 سبتمبر وکان فی حالة متزایدة من الشک الإستراتیجی. أعرب جورج دبلیو بوش عن تورط القاعدة بقیادة بن لادن فی عملیة 11 سبتمبر تبریراَ لمبادرته العسکریة فی افغانستان وبهدف القضاء على إرهاب القاعدة وطالبان فی البلاد. 

یجب أن تأخذ بعین الإعتبار أن العملیة التی أدت إلى حکم طالبان على أفغانستان هی نتیجة عقود من التخطیط الأمریکی المشترک مع باکستان وبعض الدول العربیة فی الخلیج الفارسی لتشکیل الجماعات المسلحة فی أفغانستان والمواجهة مع الإتحاد السوفیاتی. عندما إنسحبت  قوات الإتحاد السوفیاتی من أفغانستان کان  وجودهم فی أفغانستان یعتبر مشکلة أمنیة للبلاد وأیضاَ لکل دول المنطقة وخارجها. قبل احتلال أفغانستان، حاول جورج دبلیو بوش إقناع الشعب الأمریکی ، وکذلک العدید من البلدان حول العالم ، بدعایة واسعة النطاق أن عدم الوجود العسکری للولایات المتحدة فی أفغانستان ، سیفتح الطریق أمام الإرهابیین وسوف یکون هناک توتر أمنی فی جمیع أنحاء العالم. وهکذا، دعمت العدید من البلدان، من المملکة المتحدة إلى الإتحاد الروسی، وخاصة الحلفاء الأروبیین وأعضاء الناتو، الغزو العسکری الأمریکی لأفغانستان.

فی 20 سبتمبر 2001 ، أعلنت الولایات المتحدة أن أسامة بن لادن متورط فی هجمات 11 سبتمبر ونظراَ لإقامته فی أفغانستان قدمت خمسة مطالب إلى طالبان:

  1. تسلیم جمیع قادة القاعدة إلى الولایات المتحدة.
  2. الإفراج عن جمیع الأجانب المحتجزین فی سجون طالبان وتسلیمهم إلى الولایات المتحدة.
  3. إغلاق کافة المعسکرات الإرهابیة.
  4. التعریف عن جمیع الإرهابیین ومؤیدیهم وتسلیمهم للسلطات.
  5. السماح للولایات المتحدة بالوصول الشامل إلى معسکرات الإرهاب والتحقیق فیها.

لم توافق طالبان على أی من هذه المطالب ، وفی 22 سبتمبر 2001 ، سحبت المملکة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة اعترافهما بطالبان کحکومة شرعیة لأفغانستان. کما سحبت باکستان الإعتراف بطالبان کحکومة شرعیة لأفغانستان بالقرار التاریخی للجنرال مشرف، وذلک بعد تحذیر جورج دبلیو بوش لهم إما أن تکون الباکستان مع الولایات المتحدة أو ضدها.

فی یوم الأحد 7 أکتوبر 2001 شنت القوات الأمریکیة والبریطانیة وعلى الرغم من عدم الحصول على إذن من الأمم المتحدة العملیة العسکریة المسماة بعملیة التحریر المستدام (Operation Enduring Freedom) بغارات جویة على قواعد طالبان والقاعدة فی أفغانستان. فی دیسمبر 2001 فرّت قوات طالبان إلى جبل تورابورا وبدأت الحرب المسماة تورابورا ، التی شارکت فیها القوات الأمریکیة والبریطانیة وبعض قوات التحالف الشمالی ، لتدمیر طالبان والقاعدة بالکامل فی أفغانستان. وفی أوائل مارس 2002 شنت القوات الأمریکیة إلى جانب قوات التحالف الشمالی ، العملیة کبیرة المسماة أناکوندا. لقد قُتل جمیع عناصر طالبان تقریبًا فی العملیة أو هربوا إلى باکستان ، وانهار تنظیمهم. لکن لم تنسحب الولایات المتحدة والقوات المتحالفة معها من أفغانستان واستمروا فی تحدید مهام جدیدة لبقائهم. فی کانون الثانی / ینایر 2006 تولت القوات المساعدة الدولیة للامن - إیساف ISAF) -International Security Assistance Force) ، المسؤولیة عن عملیة التحریر المستدام - Operation Enduring Freedom - وتولت المسؤولیة عنها فی جنوب أفغانستان.

تم تشکیل قوات الناتو فی البدایة من بریطانیا وکندا وهولندا ، والقوات الصغیرة من الدنمارک ورومانیا وإستونیا ، إلى جانب الدعم الجوی النرویجی والدعم الجوی والمدفعی الأمریکی. نفذت الولایات المتحدة فی الوقت نفسه ، العدید من العملیات بمفردها ، تحت عنوان عملیات الحریة طویلة المدى (Long Term Freedom Operations) دون استشارة الناتو ، وهناک العدید من العملیات العمیاء فی هذا السیاق مما أدى إلى سقوط ضحایا فی صفوف المدنیین. أثناء عملیة الحریة طویلة المدى  (Long Term Freedom Operations) من 2001 إلى 2003، کانت الولایات المتحدة مدعومة من قبل العدید من البلدان وحلفائها ومنذ عام 2006 شارکت أکثر من 40 دولة فی الحرب. مع تسلیم العملیات العسکریة تدریجیاَ للجیش الأفغانی فی عام 2015، تغیر دور القوات الأجنبیة من قوات شن العملیات إلى قوات التدریب والدعم وتم تسمیتهم بمهمة الدعم الحازم (Resolute Support Mission).

بینما لم یعد هناک أی مبرر لإستمرار وجود القوات الأجنبیة فی أفغانستان ولکن بعد توقیع إتفاقیة التعاون الإستراتیجیة (BSA) بین الولایات المتحدة و افغانستان تم تعزیز وجود طویل الأمد لقوات الولایات المتحدة فی افغانستان. وبعد تحقیق النجاح العسکری ضد طالبان  بدأ فصل جدید فی إخفاقات الولایات المتحدة فی أفغانستان  وتمکنت طالبان من إستعادة قوتها والدخول إلى المعرکة ضد القوات الأمریکیة. أداء الجیش الأمریکی فی أفغانستان والأسباب والمبررات الغیر معقولة لمحاربة الإرهاب فی البلاد وبعد مرور 19 عاماَ من العملیات الأمریکیة، جعلت طالبان أکثر قوة یوما بعد یوم والشعب الأفغانی أکثر اشمئزازًا من الوجود الأمریکی.

هنا یطرح سؤالاَ ، هل کانت الولایات المتحدة عاجزة حقاً عن تدمیر الجماعة الإرهابیةأو أنها حافظت على الوضع الأمنی المتدهور فی أفغانستان لتبریر وجودها فی البلاد؟

قامت صحیفة نیویورک تایمز بنشر مقال فی 29 دیسمبر 2019 ، للبحث عن میزانیة الولایات المتحدة التی تم إنفاقها فی أفغانستان على مدى  ال 19  عامًا التی کانت فیها الولایات المتحدة فی أفغانستان ووفقا لهذا التقریر ، تم إنفاق 2 تریلیون دولار على التواجد الأمریکی فی أفغانستان. وبحسب التقریر قتل 2400 جندی أمریکی و 38 ألف مواطن أفغانی فی ال 19 عام من الحرب فی أفغانستان ، لکن نتیجة هذا الحضور المکلف للولایات المتحدة فی أفغانستان ، هی زیادة سیطرة طالبان على أجزاء من البلاد وفقدان التنمیة الاقتصادیة کما أن أفغانستان مازالت هی أکبر مصدر للنازحین والمهاجرین فی العالم. والآن تم إعلان نهایة الحرب بتوقیع اتفاقیة سلام بین الولایات المتحدة وطالبان فی 31 مارس 2017 بعد ما یقارب 19 عامًا من الحضور العسکری الأمریکی فی افغانستان.

نجد من خلال دراسة تطورات هذه السنوات والقرارات المتخذة والخطط الموضوعة لکیفیة دخول ونشر القوات الأمرکیة فی أفغانستان أن دخولها إلى أفغانستان لم یکن مؤقتًا. ما یزال من الصعب أن نتصور أن الولایات المتحدة تنوی الإنسحاب من أفغانستان.

ینص الجزء الأول من الفقرتین "أ "و "ب" فی الإتفاقیة الأمریکیة مع طالبان على أنّ الطریقة والموعد النهائی لإنسحاب القوات الأمریکیة من أفغانستان وقواعدها الخمس  سیتم على فترتین ومن خلال تخفیض عدد القوات إلى 8600, الأولى:  135 یوما والثانیة هی تسعة أشهر ونصف.

بغض النظر عمن یصبح رئیسًا ، ولکن فی ظل الظروف الجدیدة ، من الممکن ألا یتم تنفیذ هذه الإتفاقیة لعدة أسباب محتملة.

ما یبدو على الأرجح أن إدارة ترامب ، بقیادة ترامب ، بعد مناورة دعائیة حول موضوع اتفاقیة السلام مع طالبان فی الانتخابات الأمریکیة القادمة سوف ینحرف عن وعد الإنسحاب الکامل من أفغانستان تحت ذرائع مختلفة وهذا الخروج لن یتم تنفیذه.

من غیر المعروف فی الوقت الحالی ماذا سیحدث فی أفغانستان فی الأشهر الـ 14 المقبلة. أنفقت الولایات المتحدة بحسب ما ورد فی الإحصائیات المعلنة أکثر من 2 تریلیون دولار فی أفغانستان على مدى السنوات الـ 19 الماضیة ، ومعظمها لبناء وتجهیز خمس قواعد أمریکیة فی أفغانستان.

فی التطورات الأخیرة عندما وافق البرلمان العراقی على انسحاب القوات الأمریکیة من العراق ، ترامب وغیره من المسؤولین الأمریکیین أثاروا مسألة دفع التعویضات لمغادرة العراق واسترجاع تکلفة بناء القواعد على الفور ولکن بالنسبة لأفغانستان ، لماذا لم یتم طرح موضوع التعویض؟ هل من المفترض أن تسلّم الولایات المتحدة قواعدها الخمس المجهزة لطالبان فی أفغانستان والتی فرضت نفسها فی اتفاقیة السلام على أنها إمارة أفغانستان الإسلامیة. إذا تم تسلیم هذه القواعدالعسکریة إلى طالبان ، مرة أخرى ستحدث نفس الأشیاء التی تسببت بقلق الولایات المتحدة یعنی عودة القاعدة إلى أفغانستان ، هذه المرة بأی حجة ستمنع الولایات المتحدة أفغانستان من أن تصبح مرکزاً للإرهاب الدولی؟

من المتوقع أن یکون أمام أفغانستان أیام وشهور دمویة ، والتی ظهرت بعض أعراضه من الآن. إن عملیة داعش الدمویة فی 7 مارس فی کابول فی مراسم إحیاء ذکرى الشهید مزاری لا تبشر بمستقبل جید. یبدو أن الولایات المتحدة قد بدأت لعبة خطرة فی أفغانستان ، والتی ستؤدی إلى حرب أهلیة على المدى القصیر وخلق ظروف أکثر تعقیدًا فی البلاد.

لم یمض سوى بضعة أیام على توقیع الإتفاقیة وتسمع خطابات من طالبان أو أنصارها بأن طالبان مع وقف الدعم العسکری الأمریکی لقوات الحکومة الأفغانیة تسعى إلى استعادة السلطة باستخدام العنف والقوة العسکریة وتنفیذ فکرة تشکیل إمارة إسلامیة دون رأی الجهات الفاعلة الأخرى. کما قال ملا هبةالله أخوندزاده قائد طالبان إنه لا یجب لأحد أن یخاف ونحن سنغفر للجمیع، فبدلاً من التعبیر عن وجهة نظر زعیم طالبان تجاه الشعب الأفغانی ، فإنه یظهر نیة طالبان الجادة فی تشکیل حکومة ، وإلا من أی موقف یعفو فیه زعیم طالبان عن الشعب الأفغانی؟ إذا انتبهنا للجوانب القانونیة لإتفاق السلام هناک أیضا تضاربات. لقد أشار فی المادة الخامسة من الفصل الثانی بالنسبة لإلتزامات طالبان إلى موضوع مثیر للاهتمام أنه یجب على طالبان ألا تصدر تأشیرات أو جوازات سفر لأی أحد من أعداء أمریکا.

هذه الأمور حصریاَ من ضمن الشؤون الحکومیة ، ولذلک ، تم موافقة الولایات المتحدة ضمنیاَ فی هذا الإتفاق على أن طالبان ستشکل الحکومة فی المستقبل. على الرغم من أن الولایات المتحدة لم تعترف بعد بتسمیة إمارة أفغانستان الإسلامیة ، ولکن مع استیلاء طالبان على السلطة فی أفغانستان وإعلان الحکومة بهذا الإسم، یجب علی کل الدول المعترفة بها ، أن یتعاملوا معها بنفس الإسم.

هناک نقاط ضعف قانونیة أخرى فی الإتفاقیة مما تثیر سؤالاَ جدیاَ حول کیفیة توقیع الإتفاقیة من قبل الولایات المتحدة مع کل هذه الإشکالات القانونیة فیها ورغم  ادعاءاتها بالتفوق فی جمیع المجالات. فی الجزء الثانی من الاتفاقیة ، فیما یتعلق بالتزامات طالبان ، لقد تعهدت طالبان بجمیع التزاماتها من موقع حکومة مسؤولة وقویة. فی أحد بنود الإتفاقیة تعهدت طالبان بمنع أفغانستان من أن تصبح تهدیدا لأمن الولایات المتحدة.

هل هذه التعهدات من جانب مجموعة معارضة للحکومة التی لیس لقواتها زی محدد و لیس لدیهم مکانة و قاعدة ثابتة؟ وبهذا المعنى ، لا تستطیع الولایات المتحدة الدخول فی مثل هذا الإتفاق مع جماعة معارضة للحکومة ، لأن الدخول فی مثل هذا الإتفاق ، بمثابة تدخل فی الشؤون الداخلیة لأفغانستان ووضع الجماعة  فی جانب الاتفاقیة التی لیس لها موقع سیاسی أو أمنی أو عسکری فی البلاد.

ألم ینتبه المسؤولون والخبراء الأمریکیون لهذه القضیة وأن مثل هذه الإتفاقیة مع مجموعة معارضة یعتبر إهانة للحکومة الأفغانیة وتجاهل لإنجازات 19 سنة للولایات المتحدة والعالم الغربی فی أفغانستان الذین یفتخرون دائماَ بإنشاء مؤسسات قانونیة فی هذا البلد ، یبدو أن بالنسبة لترامب ، فإن المستقبل السیاسی لأفغانستان لیس مهماًو إنهاء عقدین من الحرب الغیر مثمرة فی هذا البلد والتضحیة بآلاف الأبریاء لیس مهماَ , ما یهم ترامب الیوم هو استغلال قضیة أفغانستان کورقة دعائیة رابحة. فی الواقع، لقد ضحى رئیس الولایات المتحدة بمستقبل التطورات السیاسیة فی أفغانستان لطموحاته الإنتخابیة حتى یتمکن فی الحملة الانتخابیة الرئاسیة لعام 2020من الفوز بأصوات الناخبین الأمریکیین، ویدعی أنه حقق أحد وعوده الانتخابیة وقد أعاد الجنود الأمریکیین إلى منازلهم وحررت الخزانة الأمریکیة من العبء الثقیل المتمثل فی التواجد فی أفغانستان.

القاء النظرة على الشروط الخمسة التی وضعتها الولایات المتحدة لطالبان عام 2001 ومقارنتهامع اتفاق السلام عام 2020 یذکّرنا بأن الولایات المتحدة ، بعد کل هذه التکلفة والخسائر البشریة ، لا تزال تتبع الشروط الخمسة التی طالبت بها طالبان عام 2001 ولم تمتثل لها.

ما هو متوقع فی هذه الظروف هو أن طالبان ربما تستغل الوضع الحالی فی أفغانستان ، حیث تسببت باحتمال التزویر فی الإنتخابات الرئاسیة بقیادة أشرف غنی وذلک أدى إلى حدوث صدع عمیق بین القوات الحکومیة. وبخفض عدد القوات الأمریکیة إلى 8600 جندی ، سیتمکنوا من حمایة القواعد الأمریکیة فقط ولن یتمکنوا من القیام بعملیات عسکریة ، لذلک طالبان تستطیع أن تجبر قوات الأمن الحکومیة على الإنسحاب تدریجیاَ من المناطق التی تنسحب منها القوات الأمریکیة وبالتالی ، سیتم إنشاء نظام متعدد الأقطاب فی أفغانستان ، وفی هذه الحالة یمکن للإمارة الإسلامیة توسیع وتعزیز سیطرتها على المنطقة بسرعة وتولی دور الدولة بشکل غیر رسمی. سینسحب جمیع القوات الأمریکیة وحلفاءها الغربیة من أفغانستان وستنتهی مهلة الـ14 شهرًا للانسحاب الأمریکی الکامل من أفغانستان عندما تنتهی الانتخابات الرئاسیة الأمریکیة.

ولکن على الجانب الآخر الوضع غیر مستقر أیضاَ ولیس هناک ما یضمن أن طالبان ستلتزم بالإتفاقیة التی وقعتها مع الولایات المتحدة ، على فرض الإنسحاب الأمریکی الکامل من أفغانستان. من الممکن أیضا أن تحتفظ طالبان حالیًا بنفسها وستنتظر حتى نهایة الإنسحاب الأمریکی ثم تبدأ فی اتخاذ الإجراءات للإستیلاء على السلطة. بالطبع ، بالنسبة لطالبان وأنصارها ، الذین انتظروا مدة 19 عامًا فلن یکون الإنتظار بمدة 14 شهرًا طویلاً.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است