العلاقات الأفغانیة الباکستانیة تاریخ  من الشک والتوتر

منذ تأسیس دولة باکستان المستقلة فی عام ۱۹۴۷، کانت العلاقات الثنائیة لأفغانستان و باکستان عرضة دائمًا للإضطرابات، ویرجع ذلک أساسًا إلى الخلافات الحدودیة التی خلفها الحکم الاستعماری البریطانی.
7 ذو القعدة 1441
رویت 1909
حسین ابراهیم‏ خانی

منذ تأسیس دولة باکستان المستقلة فی عام 1947، کانت العلاقات الثنائیة لأفغانستان و باکستان عرضة دائمًا للإضطرابات، ویرجع ذلک أساسًا إلى الخلافات الحدودیة التی خلفها الحکم الاستعماری البریطانی. فی نهایة الحرب الثانیة بین أفغانستان وبریطانیا فی مایو 1879، اضطر أمیر أفغانستان محمد یعقوب خان للتخلی عن أجزاء کبیرة من بلوشستان التی هی حالیاَ من ضمن الأراضی الباکیستانیة للحکومة البریطانیة الهندیة بموجب معاهدة جاندماک. أیضًا، فی عام 1893، وتحت ضغط من بریطانیا، وافق عبد الرحمن خان، أحد الحکام الآخرین فی أفغانستان على معاهدة تحدید مناطق نفوذ الهند وبریطانیا وأفغانستان وقبل الخط الحدودی المسمى ب"دیوراند" الذی یبلغ طوله 2440 کم الذی کان یبدأ من الحدود الأفغانیة الصینیة فی منطقة واخان وینتهی عند نقطة الحدود المشترکة بین أفغانستان-إیران -هند بریطانیة فی الغرب.

أخذ هذا الخط بصفته مقسمًا لمجالات النفوذ، فیما بعد طبیعة الحدود الدولیة وقسمت منطقة الباشتون الکبیرة المسماة "بباشتونستان" بین أفغانستان وهند بریطانیة. لقد بائت الجهود المشتته والمتقطعة من قبل الأفغان لإستعادة الأراضی المفقودة بالفشل، بسبب التفوق العسکری والسیاسی البریطانی وضرورة الحفاظ على الوضع الراهن فی أفغانستان کمنطقة عازلة لمنع روسیا القیصریة من التسلل إلى المستعمرة البریطانیة القیمة.

فی الفراغ الناجم عن غیاب بریطانیا القوی وضعف الدولة الباکستانیة الجدیدة، أثارت الحکومة الأفغانیة قضیة النزاعات الحدودیة التی خلفتها الحقبة الاستعماریة و بطلان خط دوراند کخط حدودی مفروض. ودعا إلى إجراء محادثات مع باکستان لوضع حدود جدیدة.

نزاع باکستان مع الهند بشأن کشمیر فی بدایة استقلال البلدین وتحالف القبائل البشتون مع الحکومة الباکستانیة المسلمة وحشد وإرسال مقاتلی القبائل لإستعادة کشمیر من الهند والتعبیر عن رغبة زعماء القبائل فی البقاء فی باکستان وعدم الانضمام إلى أفغانستان، أدى إلى تفوق باکستان فی النزاعات الإقلیمیة والحدودیة مع أفغانستان والرفض الصریح لطلب أفغانستان وتأکید باکستان على الاعتراف الدولی بخط دوراند قد مهد الطریق لفترة من العلاقات المتوترة بین البلدین.

فی عملیة التصویت لقبول عضویة باکستان فی الأمم المتحدة، کانت أفغانستان الدولة الوحیدة التی عارضت هذه العضویة. على الرغم من أن الوفد الأفغانی لاحقاَ سحب تصویته السلبی، معلناَ أنه عارض القرار دون اصدار الأمر من کابول. انعقد البرلمان الأفغانی فی تطور هام وتاریخی، لأول مرة فی یولیو 1949 ورفض من جانب واحد الخط الحدودی دیوراند من المعاهدات المبرمة مع بریطانیا ودخل الصراع الرسمی‌بین افغانستان و باکستان مرحلة جدیدة.

من الجهة الأخرى، تخاصم المسؤولون الباکستانیون مع بعض قادة البشتون المعارضین لاستقلال باکستان وخط دوراند. وأدى ذلک إلى مقتل عدد من نشطاء البشتون واعتقال قادتهم خلال السنوات 1950 إلى 1951 وتصاعدت الهجمات اللفظیة من قبل الحکومة الأفغانیة کما اتهمت باکستان بإساءة معاملة شعب البشتون. کما شنت الحکومة الباکستانیة هجمات رسمیة وإعلامیة على کابول من خلال قطع عبور البنزین والمازوت المستورد إلى أفغانستان، سلک طریق الضغط الاقتصادی على هذا البلد. وهذا قد مهد الطریق لتقرب أفغانستان من الاتحاد السوفیاتی وإبرام عقود الترانزیت واستیراد الوقود وتصدیر البضائع وتوسع نفوذ موسکو فی أفغانستان.

تدابیر انتقامیة أخرى، مثل دعم وإیواء خصوم الطرف الآخر وأحیانا الصراعات العسکریة المتفرقة بالتوازی مع التحرکات السیاسیة وتوجیه الاتهامات لبعضهما البعض کان على جدول أعمال السلطات فی البلدین وأدى ذلک إلى توسیع نطاق التوتر والخلاف. قامت الحکومة الأفغانیة فی عام 1952، بصرف النظر عن سعیها إلى مفاوضات بهدف إصلاح خط الحدود المشترک، وادعت ملکیة مقاطعة بلوشستان الباکستانیة بأکملها، وبالإشارة إلى المحافظات الحدودیة الشمالیة الغربیة وبلوشستان الباکستانیة کمنطقة بشتون الشمالیة والجنوبیة ودعت عملیا إلى انفصال حوالی 60 فی المائة من أراضی باکستان وانضمامها إلى أفغانستان.

قررت الحکومة الباکستانیة فی مارس 1955 دمج المحافظات الغربیة الأربعة کوحدة حکومیة واحدة تسمى "غرب باکستان" وقد فسرت الحکومة الأفغانیة هذه الخطوة على أنها محاولة للضغط على الأقلیة البشتونیة وأدى ذلک إلى الهجوم الأفغانی على السفارة والقنصلیة الباکستانیة فی کابول وجلال آباد. کما هاجم الباکستانیون القنصلیة الأفغانیة فی بیشاور واعلنوا عن إغلاق القنصلیتین الأفغانیة والباکستانیة فی البلدین وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسیة وکذلک ردوا على اعمال الأفغانیین. 

بالرغم من تطبیع العلاقات الدبلوماسیة بین البلدین فی عام 1957 استمرت الأزمة فی العلاقات الثنائیة وسیاسة الرئیس الباکستانی الجدید، المارشال أیوب خان، لتوسیع النفوذ والسیطرة على المناطق القبلیة من جهة وجهود رئیس الوزراء الأفغانی داود خان للقیام بنفس الشیء فی مناطق البشتون الأفغانیة زاد الوضع تعقیداَ. أدى فشل محادثات أیوب خان مع وزیر الخارجیة الأفغانی فی کانون الثانی / ینایر 1960 إلى توتر العلاقات بین البلدین مرة أخرى لدرجة أن وزیر الخارجیة الأفغانی وصف علانیةَ باکستان بأنها دولة "استعماریة". فی غضون ذلک، عزز البلدین قواتهما العسکریة على جانبی الحدود بشکل متزامن وحصلت اشتباکات عسکریة عنیفة بین المیلیشیات الباکستانیة والأفغانیة فی منطقة باشتون فی باجور والتی ادت الى قتل المئات من المسلحین.

فی أغسطس 1961، قطعت الحکومة الباکستانیة علاقاتها السیاسیة مع أفغانستان احتجاجًا على مضایقة دبلوماسییها فی کابول والقیود التی فرضتها الحکومة الأفغانیة. وجهود الدول العربیة بقیادة السعودیة ومبادرة الرئیس الأمریکی آنذاک کینیدی للوساطة بین أفغانستان وباکستان واستئناف العلاقات السیاسیة بین البلدین کانت غیر مثمرة. عرض شاه إیران وساطته وتم قبولها من قبل باکستان وأفغانستان وسافر إلى کابول ورولبندی فی عام 1962. کذلک بدأت الاتصالات بین المسؤولین فی البلدین للحد من التوترات وفی مارس 1963 اتفق الوفدان الأفغانی والباکستانی بعد اجتماع فی طهران على استئناف العلاقات السیاسیة وإعادة فتح الحدود المشترکة. خلال حروب الهند مع باکستان بین 1965 و 1971 محمد ظاهر شاه ورغم انفتاح قضیة الخلاف الحدودی مع باکستان طمأن قادة باکستان إلى أن بلاده لن تستغل الوضع ولن تلجأ إلى مبادرة عسکریة ضد باکستان. بعد عودة داود خان إلى السلطة کرئیس فی عام 1973 وإعادة طرح قضیة الباشتونستان وبالتزامن مع الغاء حکومات الولایات المنتخبة فی المقاطعات الحدودیة الشمالیة الغربیة وبلوشستان فی باکستان من قبل ذوالفقار علی بوتو وقمع المتمردین البلوش توترت العلاقات بین البلدین مرة أخرى وبدأت ثلاث سنوات من الهجمات الکلامیة والإشتباکات العسکریة المحدودة واغلاق الحدود.

لقاء ومفاوضات بین بوتو وداود فی عام 1976 خلق فصلاَ جدیداَ فی العلاقات الثنائیة بین کابول وإسلام آباد ومع التخفیف النسبی للصراعات، اصبح الجو هادئاَ نسبیاَ فی علاقات بین البلدین. فی أبریل 1978 أطاحت العناصر الیساریة بحکومة داود وکما یبدو نور محمد ترکی الرئیس الجدید وزعیم حزب الشعب الأفغانی بهدف انحراف الرأی العام عن الطبیعة الشیوعیة للحکومة، اعلن عن متابعة موضوع الباشتونستان کأولویة أولى لخطط حکومته. وفی اجتماع لحرکة عدم الإنحیاز فی‌هافانا، أثار الوفد الأفغانی قضیة الباشتونستان، وأعرب عن أسفه لتعدی باکستان على شعب البشتون والعدوان العسکری لإسلام آباد.

بعد توسیع المعارضة الداخلیة مع الإنقلاب الشیوعی ودخول القوات السوفیتیة إلى أفغانستان لدعم الحکم الشیوعی فی کابول وتدفق اللاجئین الأفغان إلى البلدان المجاورة، أصبحت باکستان مصدراَ رئیسیاَ للمساعدة الغربیة لمختلف الجماعات، ومعظمهم من البشتون الجهادیین والمقاطعة الحدودیة الشمالیة الغربیة، بشکل عام ومدینة بیشاور بشکل خاص أصبح مرکز النشاط السیاسی والعسکری للأحزاب السبعة للمجاهدین الأفغان.

کما استفادت باکستان من إهتمام ومساعدة الغربیین نتیجة تضامنها ضد الحکم الشیوعی فی کابول والتدخل العسکری السوفیاتی فی أفغانستان ولکن قد عانت من أضرار أمنیة واجتماعیة شدیدة نتیجة صراع غیر رسمی وواسع النطاق مع أفغانستان. الإضطرابات الناتجة عن وجود عدة ملایین من اللاجئین الأفغان وتکثف أنشطة العصابات القویة لإنتاج وتوزیع المخدرات ووفرة الأسلحة غیر المشروعة وظهور ثقافة تسمى "کلاشینکوف" وخاصة الإشتباکات الدامیة بین البشتون والمهاجرین والقبائل السندیة، کان من بین هذه الإصابات مع تأثیرات طویلة المدى.

الحکومة الأفغانیة بدعم من الإتحاد السوفیاتی لم ترى أی رادع أمامها لمواجهة بما سمته تدخل باکستان لذلک إستمرت بالتدابیر المدمرة داخل باکستان من قبل عناصرها وانتهاک الحدود والقصف شبه الیومی للطائرات العسکریة الأفغانیة والسوفیتیة على المقاطعة سرحد التی من وجهة نظرهم، کانت جزءًا من أراضی أفغانستان حتى توقیع اتفاقیة جنیف وانسحاب القوات السوفیتیة من أفغانستان، وأخیرًا، الإطاحة الکاملة بالحکومة الشیوعیة فی أبریل 1992 واستمرار حکم المجاهدین على کابول.

على الرغم من التفاؤل الأولی بعد سقوط حکومة نجیب الله فی کابول حول تلیین العلاقات باکستان مع أفغانستان، الوضع الجدید لم یغیر العلاقات الثنائیة بشکل جدی ورغبة باکستان فی تنصیب حکومة الباشتون فی کابول وتعزیز الجماعات البشتونیة الجهادیة ضد الحکومة الطاجیکیة التابع لبرهان الدین ربانی وخاصة المساعدة الباکستانیة الشاملة للحزب الإسلامی غلبدین حکمتیار، من أجل زعزعة استقرار حکومة کابول، ادى إلى اندلاع الحرب الأهلیة بین الجماعات الجهادیة. عدم قدرة حکمتیار وحلفائه على الإطاحة بحکومة ربانی مع انهیار الإتحاد السوفیاتی وولادة الجمهوریات المستقلة وطرح موضوع مشروع مرور خطوط نقل الطاقة فی آسیا الوسطى من أفغانستان وباکستان إلى البحر المفتوح ودعم أمریکا لهذا المشروع مهدت الطریق لتشکیل وتقویة طالبان من قبل باکستان بهدف استعادة السلام کشرطاَ مسبقاَ لتنفیذ خطة نقل الطاقة لآسیا الوسطى.

على الرغم من أن کان تصمیم باکستان ناجحًا إلى حد کبیر فی تشکیل جماعة طالبان والهیمنة على أفغانستان وهذه المجموعة لمدة 5 سنوات وقبل أحداث سبتمبر 2001 کانت تهیمن على کل الشؤون فی أفغانستان، لکن جهود باکستان لمعالجة مشکلة الحدود التی طال أمدها وفرض القبول الرسمی لخط دوراند من قبل حکومة طالبان لم یکن ناجحاَ. دعم باکستان الجاد لطالبان على مدى السنوات الـ 18 الماضیة مهّد الطریق لاستمرار عدم الإستقرار وانعدام الأمن فی أجزاء کبیرة من أفغانستان، على الرغم من الوجود العسکری الأمریکی الکبیر والمکلف. احتجت الحکومات المنتخبة فی أفغانستان ورؤساء البشتون دائماَ على ممارسات باکستان خلال هذه الفترة وفی الوقت نفسه، تسبب الأمر فی استیاء شدید للشخصیات السیاسیة وأمراء الحرب البشتون السابقین. بهدف إنشاء خط دوراند کحدود دولیة، بدأت الحکومة الباکستانیة بغض النظر عن الاحتجاجات الرسمیة للحکومة الأفغانیة مشروع ترکیب الأسلاک الشائکة والأسوار وإنشاء حقول ألغام على طول خط دوراند منذ عام 2017 ، وبالاستفادة من التوترات الداخلیة فی أفغانستان وبحجة وضع الحاجز أمام منع العناصر الإرهابیة من التسلل وإنفاق میزانیة 500 ملیون دولار، فإن معظمها قد انتهى.

اعتماد أفغانستان کمنطقة غیر ساحلیة على طرق العبور الباکستانیة للاستیراد والتصدیر واستخدام إسلام آباد لهذه الرافعة للضغط على أفغانستان، یعتبر إحدى المشاکل فی العلاقات بین البلدین. تدعی باکستان أن أجزاء کبیرة من واردات أفغانستان من الترانزیت من الموانئ الباکستانیة یتم تهریبها إلى باکستان وهو یضر بشدة بالإنتاج المحلی والعائدات الجمرکیة للبلاد. تحت ضغط من الولایات المتحدة، وقعت الحکومة الباکستانیة اتفاقیة طریق عبور جدیدة مع أفغانستان فی عام 2010 الأمر الذی خفف إلى حد ما من التوترات الناجمة عن خلافات العبور بین البلدین. لکن الأمر یتعلق بمسائل ثانویة وغیر محلولة، مثل الوجود الواسع للاجئین الأفغان فی باکستان وایضاَ تقسیم الأنهار الحدودیة بین البلدین لا تزال مفتوحة.

وجود الناتو وبرنامج إعادة الإعمار العسکری وتعزیز القدرات العسکریة لأفغانستان من قبل الولایات المتحدة وغیرها من الدول الغربیة وخاصةَ المساعدة العسکریة والتعلیمیة الهندیة للجیش الأفغانی سببت مصدر قلق آخر لباکستان. على الرغم من تغیر الظروف الإقلیمیة والدولیة، لا تزال باکستان تنظر إلى أفغانستان على أنها فناءها السیاسی والأمنی الخلفی والخطر الجدی لنفوذ الهند ووجودها باعتبارها التهدید الرئیسی لکیانها فی هذا الفناء الخلفی وأنها تراقبه دائماَ ولن تتخلى عن محاولة زعزعة استقرار أی حکومة صدیقة وموالیة لنیودلهی فی أفغانستان.

من ناحیة أخرى، البشتون، الذین یعتبرون أنفسهم أکبر مجموعة عرقیة وایضاَ أکبر قوة سیاسیة فی أفغانستان ولدیهم هیمنة على کابول بطرق مختلفة حتى الآن، للحفاظ على هذه السیادة والهیمنة، یتعین علیهم الحفاظ على غایة شعب البشتون الذین یعیشون على جانبی خط دوراند وباعتبارهم کمدافعین عن حقوق ووحدة البشتون فلن یتخلوا ببساطة عن هذا العامل التاریخی والنفسی للمصالحة مع باکستان. فی نفس الوقت وعلى الرغم من الخلافات الجذریة والمزمنة بین باکستان وأفغانستان لطالما أخذ قادة البلدین بعین الاعتبار سیاسة ضبط النفس والسیطرة على الصراعات وتجنب الأعمال ذات العواقب التی لا یمکن التنبؤ بها ولذا من خلال التواصل والتفاوض فی اللحظة الأخیرة، منعوا النزاعات الواسعة النطاق.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است