العلاقة بین حقوق الإنسان والبیئة تماشیاً مع تطور العلاقات الدولیة

فی الماضی کان موضوعا حقوق الإنسان والبیئة قید الدراسة بشکل مستقل وفی سیاق نظری على مستوى ضعیف.
29 شوال 1441
رویت 3340
جواد امین منصور

فی الماضی کان موضوعا حقوق الإنسان والبیئة قید الدراسة بشکل مستقل وفی سیاق نظری على مستوى ضعیف.

مع تطور المعرفة البشریة وتعزیز الأسس النظریة حول هاتین المسألتین، تم إثبات علاقتهما التی لا یمکن إنکارها، وبالتالی تم تضمینها للوثائق القانونیة الدولیة والأحکام القضائیة فی محاکم الوطنیة والدولیة.

فی هذه المقالة یفترض أن هناک علاقة مباشرة وواسعة النطاق بین حقوق الإنسان والبیئة، والتی یمکن رؤیتها فی جمیع المستوطنات البشریة على وجه الأرض. ویبدو أن الحق فی الحیاة، باعتباره أهم حق للإنسان غیر قابل للتصرف، له علاقة مباشرة وأکثر وضوحًا بالبیئة.

 

  1. الوثائق الدولیة

فی وصف وتفسیر العلاقة بین حقوق الإنسان والبیئة من وجهة نظر الوثائق الدولیة یمکن الرجوع إلى مجموعتین من المستندات:

تتعلق المجموعة الأولى من الوثائق بالتنمیة المستدامة التی بدأت بالبیان الختامی للإجتماع فی ستوکهولم عام 1992 والذی یعتبر الآن أساس العلاقة بین البیئة وحقوق الإنسان فی العصر الحدیث.

الوثیقة الثانیة المهمة فی هذا الصدد تتعلق بإتفاقیة آرهوس الإقلیمیة والتی بموجبها الدول الأعضاء ملزمة بتشریع ثلاثة عناصر إجرائیة والتی تشمل: الوصول إلى المعلومات البیئیة ، المشارکة العامة فی صنع القرار البیئی والوصول إلى القضاء.

أکّد بیان ریو على الحق فی التنمیة ویوصی الإنسان بإعتباره الفاعل الرئیسی فی هذا الشأن بحمایة البیئة فی حیاته. یشمل وثیقة رقم 21 بشکل ضمنی قضیة حقوق الإنسان بالإشارة إلى حق الحیاة الصحیة للإنسان والمجتمعات سواء السکان الأصلیین أوالمهاجرین وحق الحصول على المیاه العذبة.

على الرغم من أن هذا البیان وخطة العمل الذین وافق علیهما المؤتمر العالمی لحقوق الإنسان فی فیینا، لم یشیرا إلى العلاقة بین حقوق الإنسان والبیئة کما هو متوقع، فإنه یؤکد الحق فی التنمیة، وبالتالی یجب تنفیذ الحق فی التنمیة بطریقة تلبی الإحتیاجات الإنمائیة والبیئیة للأجیال الحالیة والمقبلة.

المجموعة الثانیة من الوثائق الدولیة فیما یتعلق بحقوق الإنسان وفی طلیعتها الإعلان العالمی‌بهذا الشأن، على الرغم من أنها لا تشیر مباشرة إلى البیئة أو الموارد الطبیعیة، لکنه یؤکد على حق کل إنسان فی الحیاة والحریة والأمن الشخصی.

تُذکر مسألة الحق فی الحیاة فی وثائق دولیة مختلفة، بما فی ذلک: میثاق الحقوق المدنیة والسیاسیة، اتفاقیة حقوق الطفل، الإتفاقیة الدولیة لحمایة حقوق العمال المهاجرین وأسرهم وأیضا اتفاقیة حقوق الأشخاص ذوی الإعاقة. وبهذه الطریقة، تشیر کل وثیقة من هذه الوثائق، من خلال التأکید على حق الإنسان فی الحیاة، بشکل ضمنی إلى حق الإنسان فی بیئة صحیة.

بالإضافة إلى ذلک، تحث مفوضیة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بإصدار القرار "حقوق الإنسان والبیئة کجزء من التنمیة المستدامة" عام 2005 من مکتب المفوض السامی لحقوق الإنسان، برنامج الأمم المتحدة للبیئة وبرنامج الأمم المتحدة للأعمار على استمرار فی تنسیق النشاطات فیما یتعلق بحقوق الإنسان والبیئة لتخفیف الفقر وتقییم البیئة فی فترة ما بعد الحرب.

یشیر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مع اعتماد قرارین فی 2008 و 2009 إلى عواقب تغیر المناخ على التمتع بحقوق الإنسان وفی القرار المعتمد عام 2016 یذکر صراحةَ العلاقة بین التنمیة المستدامة وحمایة البیئة من خلال مراعاة حقوق الانسان.

وکان القرار الهام الآخر للمجلس هو تعیین "خبیر مستقل" لدراسة البیئة. کما تناول تقریر اللجنة الفرعیة لحمایة الأقلیات، العلاقة بین الحق فی بیئة مواتیة والحق فی التنمیة. وأن حقوق الإنسان مترابطة وغیر قابلة للانفصال. وهناک اتفاقیات الإقلیمیة لحقوق الإنسان فی الولایات المتحدة وأفریقیا، بما فی ذلک "بروتوکول سانسالفادور" و "المیثاق الأفریقی لحقوق الإنسان" مع الترکیز على الحق فی العیش فی بیئة صحیة إنهم فی مرحلة أکثر تقدمًا من الوثائق الدولیة لحقوق الإنسان.

من الواضح أن تطویر مناهج حقوق الإنسان والحقوق البیئیة لأی حکومة کان لها تأثیر إیجابی على التوجه الإیجابی لسیاساتها وإجراءاتها داخل بلادها.

 

الأصوات القضائیة

من بین الأنظمة القضائیة الدولیة، تتمتع المحکمة الأوروبیة لحقوق الإنسان بخبرة أکثر قیمة فی الدفاع عن حقوق الإنسان مثل الحق فی الحیاة والحق فی الملکیة. بالطبع، تنطبق أحکام الإتفاقیة الأوروبیة لحقوق الإنسان فقط على حقوق الأفراد، وتعامل المحکمة مع القضایا البیئیة یرجع إلى حقیقة أن عدم الامتثال للاعتبارات البیئیة یمکن أن یؤدی إلى تدهور حقوق المواطنین الآخرین.

عند البحث فی قضایا المحکمة الجنائیة الدولیة، نجد أنه على الرغم من أن اختصاص المحکمة یقتصر على أربعة مجالات: الإبادة الجماعیة والجرائم ضد الإنسانیة وجرائم الحرب والإغتصاب، وفقًا للمادة 7 من نظام روما الأساسی، الخسائر فی الأرواح أو الإصابة نتیجة للهجوم والدمار البیئی الواسع کما أن التهجیر العنیف للسکان یعتبر جریمة ضد الإنسانیة وجرائم حربیة، ومحاکمة الجناة تقع ضمن صلاحیة المحکمة.

کما تجرِّم المادة 8 تدمیر الأصول والتدابیر التی یمکن أن یُتوقع فیها حدوث أضرار جسیمة وطویلة المدى وواسعة النطاق للبیئة الطبیعیة من أجل تحقیق إنجازات عسکریة محددة ومباشرة. یشار إلى أن إدراج مصطلح "العدالة البیئیة" فی البیان الختامی فی قمة الأمم المتحدة للتنمیة المستدامة فی 2012 أثار الشروع الأولی لمحاکم بیئیة، على الرغم من أن أحکام البیان لا تنص على آلیات لتطبیق العدالة.

فی لمحة سریعة، یمکن تلخیص الموقف الحالی للمجتمع الدولی بشأن العلاقة بین حقوق الإنسان والبیئة على النحو التالی. لم یستبعد أی شخص أو الحکومة العلاقة بین المجالین، ولکن عدم الوضوح فی نطاق وأبعادالعلاقة یمکن أن یؤدی إلى تشویه کلیهما.

مع تأخر المجتمع الدولی فی الاعتراف بهذا الإرتباط فی الوثائق القانونیة الدولیة، لا توجد أحکام ومناهج قویة فی أحکام الهیئات القضائیة الدولیة. یبدو أن إحدى الحواجز القائمة هی الحساسیات السیاسیة للعدید من الحکومات حول کیفیة إرتباط هذین المجالین ببعضهما البعض والعواقب التی تمنعهم من الوصول إلى التفاهم. من ناحیة أخرى، القبول الرسمی والواسع النطاق لحقوق الإنسان مثل الحق فی الحیاة والحق فی التنمیة وما یترتب على ذلک من إقامة علاقة بین البیئة وحقوق الإنسان سیؤدی إلى توسیع نطاق الدعاوى الإقلیمیة والدولیة ضد المدراء المتّهمون بتدمیر البیئة بل إنه ممکن بسبب التعقیدات الموجودة فی هذا المجال، وسوف تتعرض الأنشطة الحالیة للخطر لبعض الوقت على الأقل.

 

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است