مغامرة ترامب الجمركية؛ ضلع مهم من رؤية ترامب الرباعية
مع مرور ثلاثة أشهر على بداية ولاية ترامب الجديدة في البيت الأبيض، تتواصل جهوده المكثفة ومساعي المقربين منه لتحقيق أربعة أهداف رئيسية معلنة. تشمل هذه الأهداف وقف النزاع في أوكرانيا، إرساء هدنة في غزة، فرض تعريفات تجارية جديدة، واحتواء القدرة الدفاعية النووية لإيران. ومع ذلك، لم يتم حتى هذه اللحظة تحقيق تقدم ملحوظ في أي من هذه المسائل.
مع مرور ثلاثة أشهر على بداية ولاية ترامب الجديدة في البيت الأبيض، تتواصل جهوده المكثفة ومساعي المقربين منه لتحقيق أربعة أهداف رئيسية معلنة. تشمل هذه الأهداف وقف النزاع في أوكرانيا، إرساء هدنة في غزة، فرض تعريفات تجارية جديدة، واحتواء القدرة الدفاعية النووية لإيران. ومع ذلك، لم يتم حتى هذه اللحظة تحقيق تقدم ملحوظ في أي من هذه المسائل.
بين هذه الأهداف، حظي موضوع التعريفات بأكبر قدر من الاهتمام، واشتهر بـ "حرب التعريفات العالمية". في هذا السياق، قدم دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي آنذاك، في الثاني من أبريل 2025، خلال مؤتمر صحفي في حديقة الورود بالبيت الأبيض، خطة لفرض رسوم جمركية باهظة على السلع المستوردة من أكثر من 100 دولة. تضمنت هذه الخطة فرض "ضريبة عالمية" بنسبة 10٪ طُبقت على جميع الدول التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات تجارية وعجز تجاري في الوقت نفسه. ووفقاً لترامب، اتُهمت هذه الدول بممارسة إجراءات تجارية "غير عادلة".
كما وصف هذا اليوم بأنه "يوم الحرية"، و"أحد أهم الأيام في تاريخ الولايات المتحدة"، و"يوم إعلان الاستقلال الاقتصادي الأمريكي".
في أعقاب قرار ترامب هذا، شهدت الأسواق المالية الدولية انخفاضاً خلال الأسابيع التي تلت ذلك. لكن حدة وسرعة هذا الهبوط في سوق الأوراق المالية الأمريكية كانتا غير مسبوقتين، وتسببتا في خسارة تقدر بعشرات التريليونات من الدولارات في فترة وجيزة.
هذا الوضع دفع المستثمرين والمليارديرات الذين تراجعت قيمة أصولهم بشكل حاد إلى إدانة سياسات التعريفات الحكومية علناً والمطالبة بإلغائها أو التراجع عنها.
لاحقاً، كان إعلان الصين عن رد فعل انتقامي، بفرض تعريفات جمركية بنسبة 125٪ على المنتجات الأمريكية، علامة واضحة على بداية حرب تجارية شاملة بين عملاقي الاقتصاد في العالم، وزاد بشكل حاد من انعدام الثقة في الأسواق العالمية.
لكن السقوط الحاد في سوق الأسهم أثار قلق ترامب. ونتيجة لذلك، أعلن بعد أسبوع واحد فقط من إعلان القرار الأولي، عن وقف مؤقت لمدة 90 يوماً لتطبيق أشد التعريفات صرامة.
مع ذلك، لم يشمل هذا التوقف جميع التعريفات. بقيت التعريفة الجديدة البالغة 10٪ سارية المفعول، كما لم يتم إلغاء التعريفات السابقة البالغة 25٪ على كندا والمكسيك، وكذلك التعريفات القائمة على واردات قطاعات مثل الفولاذ والألومنيوم وقطع غيار السيارات.
وبهذا الشكل، تم تأجيل "يوم الحرية المزعوم" لمدة ثلاثة أشهر على الأقل. وستظل المدة الدقيقة لهذه الوقف وأي قرارات مستقبلية في هذا الصدد مرهونة بإرادة ترامب التي لا يمكن التنبؤ بها.
ما يتضح بجلاء من وقائع الأسبوعين الأخيرين هو أن عملية صنع القرار في البيت الأبيض، على الرغم من محاولات المتحدثين باسم الإدارة لوصفها بأنها إجراء مدروس، مضطربة بشكل عميق. إن المسؤولين الاقتصاديين أو المستشارين الذين يقدمون المشورة للرئيس لا يتصرفون بوعي وتوازن ومهنية؛ لأن صنع القرار الحقيقي والعقلاني في أي موضوع لا يمكن أن يكون بعيداً عن الحقيقة. بشكل عام، ينقسم مستشارو ترامب إلى فئتين: مؤيدو التعريفات ومعارضوها؛ ولكن لا يملك أي منهم الجرأة الكافية لدعم وجهات نظره - حتى لو لزم الأمر، ضد الرئيس - كما حدث في ولايته الأولى. على أي حال، لا أحد يقف في وجه رغبة الرئيس الذي هو صاحب القرار النهائي؛ ويفرض ترامب التعريفات ليس بسبب تأثيرها الإيجابي على الاقتصاد الأمريكي، بل لأنه ببساطة يشعر أنها ستكون جيدة.
إحدى الأخطاء الحسابية الرئيسية لترامب، هي هذا التصور بأنه من خلال فرض التعريفات يمكن ثني أصحاب الصناعات الأمريكية عن العمل في "أراضٍ أخرى" وإعادتهم إلى بلادهم، وجعل أمريكا مرة أخرى القائد العالمي في الإنتاج والصناعة. يرى النقاد أن هذه السياسة، أكثر من كونها تستند إلى تحليل اقتصادي، تتجذر في المشاعر، وهذا النهج القائم على المشاعر هو ما يثير قلق الأسواق العالمية.
كمثال بارز، بعد يومين فقط من الإعلان عن برنامج التعريفات الجديد، اضطر ترامب إلى إعلان أن منتجات مثل الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، وأشباه الموصلات، والرقائق، والمعدات الإلكترونية الأخرى، مستثناة من هذه التعريفات. يمكن اعتبار هذا القرار رد فعل مباشر على ضغط شركات مثل أبل؛ لأن الجزء الأكبر من هواتف آيفون ومكونات أجهزة الكمبيوتر لشركة أبل يتم إنتاجه في الصين. كان واضحاً أن العديد من الشركات الأمريكية العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، التي نقلت سلاسل توريدها إلى الخارج، وخاصة إلى الصين، ستتضرر بشدة من زيادة التعريفات. هذه الحقيقة بالذات أجبرت ترامب على "التراجع خطوة" في هذا الحالة بالذات.
يكشف حجم وتعقيد العلاقات التجارية الأمريكية مع العالم تحديات هذا النهج بشكل أوضح. إلقاء نظرة على إحصاءات الصادرات الأمريكية يؤكد هذه النقطة: في العام الماضي، بلغت القيمة الإجمالية للصادرات الأمريكية 3011 مليار دولار، وشملت سلعاً مثل النفط، الآلات، المعدات الكهربائية، المركبات، والأدوية. في المقابل، بلغت القيمة الإجمالية لصادرات الصين في نفس الفترة 3715 مليار دولار، وشملت أساساً معدات البث الرقمي، الآلات الكهربائية، أجهزة الكمبيوتر، الأثاث، والمنسوجات.
من حيث الشركاء التجاريين، بناءً على أحدث البيانات، كانت المكسيك في العام الماضي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة بقيمة 776 مليار يورو (صادرات وواردات سلع)، وشكلت 15.9٪ من إجمالي تجارة السلع. احتلت كندا المرتبة الثانية بحصة 14.3٪، تليها الصين بنسبة 10.9٪ وألمانيا بنسبة 4.4٪. تظهر هذه الإحصاءات أن نسيج التجارة العالمية الأمريكية أكثر تعقيداً واتساعاً من مجرد التركيز على دولة أو اثنتين.
إجمالاً، على الرغم من أن أحد الأسباب المعلنة لترامب لفرض التعريفات كان دعم الوظائف والشركات الأمريكية، وقد وعد مراراً وتكراراً في حملته الانتخابية بأن: "بموجب خطتي، لن يقلق العمال الأمريكيون بعد الآن بشأن فقدان وظائفهم لصالح البلدان الأجنبية. بدلاً من ذلك، ستكون هذه البلدان الأجنبية هي التي ستقلق بشأن فقدان وظائفها لصالح أمريكا."
لكن الحقيقة هي أن البرامج التجارية لإدارته أسفرت عن نتائج متباينة. لقد زعزعت هذه السياسات الأسواق المالية العالمية، وتسببت في خلافات حادة مع أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وفي هذه الفترة المضطربة، قللت من ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي.
هذا الانخفاض في الثقة، أضر أيضاً بأسعار الصرف. ونتيجة لذلك، تراجعت قيمة الدولار بسرعة مقابل العملات الأخرى؛ حيث اتجه المستثمرون نحو العملات الأكثر أماناً مثل اليورو، الين الياباني أو الفرنك السويسري.
على الرغم من أن سوق الأوراق المالية الأمريكي كبير ومتجذر لدرجة أنه من غير المرجح أن يتخلى عنه المستثمرون تماماً، إلا أن التراجع المستمر في الثقة يمكن أن يوجه ضربة قوية للاقتصاد ويؤثر أيضاً على استقرار السوق العالمية.
وتأكيداً لهذه المخاوف، يبرز التنبؤ المهم لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) الذي أعلن أن تراجع النمو العالمي بأكثر من اثنين بالمئة هو نتيجة قرارات ترامب الاقتصادية غير المتوازنة. تشير هذه التحليلات إلى أن السياسات التي بدأت بهدف دعم الداخل، قد تكون لها عواقب سلبية واسعة النطاق على المستوى الدولي.
علي بمان إقبالي زارج، رئيس مجموعة دراسات أوروآسيا.
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"