جنوب العالمي وجهود روسيا البيضاء

تشهد الساحة الدولية فترة من الانتقال واللايقين، حيث تتبنى الدول المختلفة استراتيجيات خاصة ومتنوعة بناءً على أولوياتها الوطنية والإقليمية والدولية. تتجلى هذه الاستراتيجيات في سياق مفاهيم النظام المتغير، والجنوب العالمي، والتعددية، وغيرها. في هذا السياق، تتبع بيلاروس أيضًا نهج الجنوب العالمي، وفي هذا الإطار، تُعقد سنويًا مؤتمر دولي شامل برعاية واهتمام خاص من رئيس الجمهورية، يهدف إلى إصلاح الفضاءات الجيوسياسية وكسر النظام العالمي السائد الذي يُعتبر العامل الرئيسي للأزمات وانعدام الأمن.
۲۵ شهریور ۱۴۰۳

تشهد الساحة الدولية فترة من الانتقال واللايقين، حيث تتبنى الدول المختلفة استراتيجيات خاصة ومتنوعة بناءً على أولوياتها الوطنية والإقليمية والدولية. تتجلى هذه الاستراتيجيات في سياق مفاهيم النظام المتغير، والجنوب العالمي، والتعددية، وغيرها. في هذا السياق، تتبع بيلاروس أيضًا نهج الجنوب العالمي، وفي هذا الإطار، تُعقد سنويًا مؤتمر دولي شامل برعاية واهتمام خاص من رئيس الجمهورية، يهدف إلى إصلاح الفضاءات الجيوسياسية وكسر النظام العالمي السائد الذي يُعتبر العامل الرئيسي للأزمات وانعدام الأمن.

يهدف هذا المؤتمر إلى إجراء حوار صريح وشامل حول آفاق الأمن الأوراسيوي في سياق الأزمة التي يشهدها النظام العالمي الحالي، والتناقضات العسكرية والسياسية المزمنة بين الأطراف الفاعلة العالمية الرئيسية، والافتقار شبه التام إلى التواصل فيما بينها. وسيتم خلال هذا الحدث مناقشة العديد من القضايا الخاصة، من بينها: المتطلبات الجيوسياسية العالمية والإقليمية لأمن أوراسيا؛ والتكامل الاقتصادي والروابط نحو بنية أمنية أوراسية موحدة؛ وتفاعل المنظمات الدولية والإقليمية في الفضاء الأوراسيوي؛ والاستقرار الاستراتيجي والأسلحة النووية والتهديدات والفرص لأوراسيا في البيئة الجديدة.

لا يخفى على أحد أن هذه الدولة محاطة بالأراضي، وتحدها ثلاث دول من الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وروسيا. واقتصادها يعتمد بنسبة 80% على الدولة والصادرات. وبعد حرب أوكرانيا، تقاربت بشدة مع روسيا، وساعدت بشكل كبير في العمليات ضد أوكرانيا، وركز الرئيس لوكاشنكو في السنوات الأخيرة على قضية الجنوب العالمي، والتحول نحو تعددية الأطراف، ومكافحة هيمنة الغرب. ولقد لعبت هذه الدولة دورًا أساسيًا في إخراج بوتين من أزمة بريجوجين.

أُسست العلاقات السياسية بين جمهورية بيلاروسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية في 18 مارس 1993. وفي 8 مارس 1998، تم افتتاح سفارة بيلاروسيا في طهران، وافتتحت السفارة الإيرانية في مينسك في فبراير 2001. وقد قام رئيس بيلاروسيا بثلاث زيارات إلى إيران في الأعوام (1998 و2006 و 2023)، وقام رئيس إيران بزيارين إلى بيلاروسيا في عامي (2004 و2007). وفي 9 يوليو 2015، وعلى هامش اجتماعات بريكس وشراكة شنغهاي في مدينة أوفا، التقى رئيس بيلاروسيا، السيد ألكسندر جريجوريفيتش لوكاشنكو، بالرئيس الإيراني، السيد حسن روحاني. والتقى قادة بيلاروسيا وإيران في 9 يونيو 2018 في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تشينغداو، وفي 14 فبراير 2019 في سوتشي مع رؤساء روسيا وتركيا في إطار القمة الثلاثية حول أزمة سوريا.

لى مدى 29 عامًا من العلاقات الدبلوماسية، حققت بيلاروس وإيران مستوى نسبيًا من التعاون الاقتصادي، مما يدل على ذلك الاتصالات المنتظمة على مستوى قيادتي البلدين. حجم التبادلات الثنائية أقل من خمسين مليون دولار. ساعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الآسيوي، الذي تُعتبر بيلاروس أحد الأعضاء الرئيسيين فيه، في زيادة التفاعلات الاقتصادية بين إيران ودول الأعضاء في هذا الاتحاد. يوجد حوالي 800 إلى 900 إيراني في بيلاروس، من بينهم أكثر من 350 طالبًا.

في الوقت الحالي، تُعتبر روسيا أكبر شريك تجاري لبيلاروس، حيث تشكل 60% من التبادلات التجارية لهذا البلد. وقد زاد حجم التبادلات بشكل كبير بعد الحرب في أوكرانيا ليصل إلى حوالي 6 مليارات دولار. تُعتبر روسيا أكبر مُقرض لبيلاروس، حيث تمثل 38% من الديون الخارجية لهذا البلد. المؤشر الأهم للعلاقات الاقتصادية بين البلدين هو الدعم الذي قدمته روسيا على مدى سنوات عديدة لأسعار النفط والغاز المصدرة إلى بيلاروس، وذلك لمساعدة اقتصاد هذا البلد، ولكن بالطبع، قد تم تقليل هذا الدعم في السنوات الأخيرة.

بالإضافة إلى الاقتصاد والتجارة، تم توقيع اتفاقيات هامة في المجال العسكري والأمني بين البلدين منذ عام 1992 حتى الآن، والتي تشمل مجالات واسعة من إنتاج الأسلحة العسكرية إلى المناورات المشتركة. ومن بين هذه الاتفاقيات، اتفاقيات التعاون في مجال حق استخدام المنشآت في أراضي بعضهما البعض، والتعاون بين القوات الحدودية لحماية حدود بيلاروس، وتشكيل مجموعة وحدة إقليمية من قوات بيلاروس وروسيا، ونظام الدفاع الجوي المشترك، ونظام الأمن الإقليمي. كما أن هناك العديد من القواسم الثقافية المشتركة، وخاصة اللغة المشتركة، وهي ميزة جعلت المواطنين البيلاروسيين يستفيدون بشكل واسع من المصادر ووسائل الإعلام الروسية، مما أدى إلى أن تكون القوة الناعمة لروسيا في هذا البلد مرتفعة مقارنة بدول أخرى.

أعلن وزير خارجية بيلاروس أن موسكو ومنسك ستوقعان في ديسمبر 2024 اتفاقية ضمانات أمنية ثنائية تركز بشكل أساسي على شروط استخدام الأسلحة النووية لمواجهة التهديدات الخارجية. ومع ذلك، فإن ترابط المصالح بين روسيا وبيلاروس كبير لدرجة أن أي شخص يتولى السلطة في هذا البلد يضع علاقاته مع روسيا في المقام الأول.

وتشهد العلاقات بين هذا البلد والغرب، وخاصة أوروبا، أسوأ حالاتها منذ الاستقلال، ويتبنى الغرب نهجًا مماثلاً تجاه روسيا وروسيا البيضاء، ويتجلى ذلك في مجموعة العقوبات المفروضة على هذا البلد. وقد اتخذت مجموعة من العقوبات الغربية بسبب دعم بيلاروس لروسيا في حرب أوكرانيا والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في إطار أنظمة عقوبات مختلفة. وتشمل بعض هذه العقوبات، في إطار الإجراءات الفردية، ما يلي:

  • حظر السفر على الأفراد (الرئيس وعدد من الوزراء والمسؤولين الأمنيين) مع تجميد أصول الأفراد والكيانات، وحظر تصدير الأسلحة النارية والسلع ذات الاستخدام المزدوج والسلع والتكنولوجيا في صناعة الطيران والملاحة البحرية والفضاء والصناعات الدفاعية والسلع الفاخرة إلى بيلاروس.
  • حظر استيراد الذهب والماس والهيليوم والفحم والمنتجات المعدنية بما في ذلك النفط الخام من بيلاروس.
  • حظر استخدام سويفت لأربعة بنوك بيلاروسية وحظر التعامل مع البنك المركزي مع فرض قيود على التدفقات المالية من بيلاروس إلى الاتحاد الأوروبي وحظر تقديم أوراق نقدية باليورو.
  • اللوائح المتعلقة بالإجراءات التقييدية المتعلقة بالأفعال التي تقوض أو تهدد سلامة أراضي أو سيادة أو استقلال أوكرانيا.

علی بمان اقبالی زارج - رئيس مجموعة دراسات أوراسيا

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است