التطورات في جنوب القوقاز ومتطلبات العلاقات الاستراتيجية بين إيران وروسيا

أثار الإعلان الأخير لمسؤولين روس كبار، بعد زيارة فلاديمير بوتين إلى باكو، بشأن ممر زنغزور في منطقة جنوب القوقاز، جدلاً جديدًا حول النهج الروسي تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
۱۸ مهر ۱۴۰۳

أثار الإعلان الأخير لمسؤولين روس كبار، بعد زيارة فلاديمير بوتين إلى باكو، بشأن ممر زنغزور في منطقة جنوب القوقاز، جدلاً جديدًا حول النهج الروسي تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. بدأت القصة عندما هاجمت أوكرانيا الأراضي الروسية واستولت على بعض مدنها، وتغيرت الظروف الميدانية في الحرب، فقام فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، بأول زيارة له إلى أذربيجان منذ بدء الحرب مع أوكرانيا، واستغرقت الزيارة يومين، بهدف دراسة سبل توسيع التعاون الاستراتيجي والتحالف بين أذربيجان وروسيا. وخلال هذه الزيارة، ناقش بوتين، بالإضافة إلى بعض الاتفاقات الأخرى، مسائل تتعلق بممر زنغزور. وبعد فترة وجيزة من هذه الزيارة، أعلن سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أن موسكو تدعم إبرام معاهدة سلام سريعة بين باكو ويريفان وفتح الطريق الاتصالي.

رغم أن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت السفير الروسي في طهران احتجاجًا على هذا الموقف الذي يهدد صراحة المصالح الوطنية الإيرانية، إلا أن الروس لم يتراجعوا عن قرارهم، بل أكدوا على موقفهم الثابت بشأن ممر زنغزور، معربين عن تفهمهم لمخاوف طهران. وبدلاً من التراجع، أشاروا إلى نيتهم إبلاغ إيران "لتوضيح" الأمر، أي إخبار إيران بأن القرار قد اتخذ وأن السلطات الإيرانية مضطرة لقبوله!

يأتي هذا الموقف الروسي في وقتٍ تستعد فيه الدولتان لتوقيع "وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة" التي تم إعداد نصها النهائي، مما يثير تساؤلات حول فهم روسيا لمفهوم الشراكة الاستراتيجية مقارنة بفهم إيران له. يبدو أن السلطات الروسية لا تعترف بأي حدود أو خطوط حمراء سوى مصالحها وأمنها القومي.

تشير الدراسات الأكاديمية إلى أن "العلاقات الاستراتيجية" تتطلب توافر بعض الشروط والعناصر الأساسية، مثل وجود مصالح وأهداف استراتيجية مشتركة في مجالات متداخلة، ووجود عدو أو منافس أو تهديد مشترك، وتوافر تفاهم حول النظام الدولي وقواعد العمل فيه، ووجود إرادة سياسية لدى القادة.

ورغم ذلك، يبدو أن دعم روسيا لممر زنغزور قد قوض معظم هذه العناصر الأساسية للشراكة الاستراتيجية. ففتح ممر زنغزور، في المقام الأول، يتعارض تمامًا مع مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكنه يخدم مصالح روسيا الحالية. فمع فتح هذا الممر، سيتم قطع الاتصال الاستراتيجي بين إيران وأوروبا، وستفقد إيران السيطرة على هذا الطريق وبالتالي حقها في عبور البضائع. علاوة على ذلك، سيؤدي إنشاء ممر زنغزور إلى تقليل عدد جيران إيران من 15 إلى 14 دولة، مما سيؤثر سلبًا على المصالح الاستراتيجية والأهمية الجيوسياسية لإيران في المنطقة.

من ناحية أخرى، سيساعد هذا الممر روسيا على تجاوز العقوبات الأوروبية في ظل الأزمة الأوكرانية. كما أن التطورات في أوكرانيا قد غيرت من موقع روسيا في جنوب القوقاز، وباتت موسكو تسعى إلى تعزيز نفوذها في جورجيا وأذربيجان وأرمينيا، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال ممر زنغزور.

وبالتالي، يتضح أن المصالح والأهداف الاستراتيجية لإيران وروسيا في هذا الصدد ليست متعارضة فحسب، بل متضاربة بشكل واضح.

من العوامل الأخرى التي تساهم في بناء العلاقات الاستراتيجية وجود عدو مشترك أو منافس أو تهديد مشترك. ورغم أن روسيا وإيران كانتا تتشاركان العداء للدول الغربية في السنوات الأخيرة، إلا أن تولي الرئيس الجديد مقاليد الحكم في إيران وإعلانه عن سياسة إدارة التوتر مع الغرب، دفع بالمسؤولين الروس إلى استباق أي تحرك إيراني بفتح جبهات جديدة، وإظهار قدرتهم على تغيير موازين القوى في المنطقة لصالحهم ببساطة من خلال زيارة أو بضع مكالمات هاتفية. إن إصرار روسيا على إنشاء ممر زنغزور هو في الواقع هدية يقدمها بوتين إلى منافسي إيران الإقليميين، وهما تركيا وأذربيجان، حيث سيتمكن الأتراك من خلال هذا الممر من تصدير بضائعهم إلى أذربيجان ومن ثم إلى آسيا الوسطى عبر بحر قزوين، وستجد أذربيجان طريقًا مباشرًا إلى الدول الأوروبية.

من العناصر الأخرى للشراكة الاستراتيجية وجود توافق حول النظام الدولي وقواعد التعامل فيه. ورغم أن كلا من إيران وروسيا تتبني نهجًا مراجِعًا للنظام الدولي الذي تفرضه الدول الغربية، وترغبان في الاعتراف بدورهما فيه، إلا أن نهج روسيا مراجِع ضمن الإطار النظامي، بينما نهج إيران مراجِع من خارج النظام. وبوصف روسيا دولة تسعى إلى أن تكون قوة عظمى، فهي لم تتخلَّ قط عن دورها في إدارة الأزمات والقضايا العالمية، وقد تعاونت مع الدول الغربية ودعمت العقوبات الدولية المفروضة على إيران عندما اقتضت الضرورة. والآن، ومع دعم الغرب لأوكرانيا في إطار حلف شمال الأطلسي، تستغل روسيا الدعم الإيراني، لكنها لا تضع كل بيضها في سلة واحدة، بل تلعب أوراقًا متعددة لإدارة أزمة أوكرانيا، بعضها يضر بمصالح إيران مثل ممر زنغزور.

أما فيما يتعلق بـ"وجود الإرادة السياسية لدى القادة"، فإنه يبدو، بالنظر إلى الفارق في مستوى القوة بين إيران وروسيا، أن الكرملين ليس لديه رغبة في الارتقاء بعلاقاته مع طهران إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، ويفضل الحفاظ على العلاقة مع إيران على أساس المصالح المتبادلة. وبالفعل، ترى روسيا نفسها قوة عظمى على المستوى العالمي، ولديها حرية التصرف في أي وقت وفقًا لمصالحها، واللعب بأوراق اللاعبين الإقليميين مثل إيران وتغيير موازين القوى الإقليمية بما يتماشى مع أهدافها. ولقد ساهمت المشاكل المتعددة والتفاوتات التي شهدتها السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في السنوات الأخيرة في تهيئة الظروف لاستغلال روسيا لهذه الوضعية.

بناءً على ما سبق، يبدو أن العلاقات بين إيران وروسيا ليست شراكة استراتيجية حقيقية، بل هي تعاون اضطرادي أو حذر لمواجهة الأزمات العابرة، وتحتوي على بعض عناصر الشراكة الاستراتيجية فقط. وهذا الواقع المرير قد ينتج عنه عواقب وخيمة على السياسة الخارجية، لأن من أهم شروط نجاح أي دولة في الساحة الدولية وحماية مصالحها وأمنها القومي هو وجود حلفاء استراتيجيين متعددين. لذلك، يجب اتخاذ تدابير لكي تخرج روسيا من هذا النوع من العلاقات المؤقتة، وتلتزم ببناء علاقة استراتيجية دائمة مع إيران. لتحقيق هذا الهدف، ولتحويل العلاقات مع روسيا إلى شراكة استراتيجية، يجب على إيران أن تصل إلى مستوى من القوة في المنطقة بحيث تجد روسيا نفسها مضطرة للتفاوض والتعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية للدخول في الملفات الإقليمية واللعب دورًا في غرب آسيا، وبالتالي اكتساب مكانة دولية مرموقة. ولا شك أن تحقيق التوازن في السياسة الخارجية والاستفادة من الخيارات المتاحة لتحقيق أهداف إيران ومصالحها هو خطوة إيجابية وفعالة في هذا الاتجاه.

محمد مهدي مظاهري، أستاذ جامعي

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است