قبول الآخر: حافز لاتخاذ القرارات الحاسمة
الهوية هي نتاج توافق ذهني بين مجموعة من الأفراد تتبنى قيماً معينة وتعبر عن هذا التوافق بشكل صريح من خلال أفعال إيجابية أو سلبية. الهوية هي ما نحن عليه، وفي الوقت نفسه، فإن الهوية تتضمن عنصرًا آخر وهو التحديد الواضح لما نحن لسناه. والآخر هو من يحدد حدود هويتنا.
الهوية هي نتاج توافق ذهني بين مجموعة من الأفراد تتبنى قيماً معينة وتعبر عن هذا التوافق بشكل صريح من خلال أفعال إيجابية أو سلبية. الهوية هي ما نحن عليه، وفي الوقت نفسه، فإن الهوية تتضمن عنصرًا آخر وهو التحديد الواضح لما نحن لسناه. والآخر هو من يحدد حدود هويتنا. قد يكون الآخر عدواً، أو منافساً، أو شخصًا يفكر بطريقة مختلفة عنا. أكبر خطر يواجه النظام السياسي هو عدم قدرته على التمييز بين مختلف أنواع "الآخرين". فالآخر لديه أيضًا هويته وقيمه، ونحن في الواقع نعبر عن أن قيم الآخر هي قيم مضادة لقيمنا. يلعب الآخر دورًا بالغ الأهمية في ترسيخ هويتنا، وغالبًا ما يؤدي إلى تماسك وتوحيد الذات. وهناك أنواع مختلفة من الآخرين، فقد يكون الآخر خارجيًا، حيث تتعارض قيم الآخر الخارجي مع قيم الذات، أو قد يكون الآخر داخليًا، حيث تختلف قيمه عن قيم الذات.
حسب الظاهر، في انتخابات الرئاسة لعام 2024 ، حدث تحول جذري في السلطة من قوة سياسية يمينية بالكامل إلى قوة سياسية يسارية. كانت السمة المميزة لانتخابات 2024 مقارنة بالفترات السابقة هي انتقال السلطة من التيار الأصولي (الذي يُشار إليه في الأدبيات السياسية الإيرانية بالأصوليين المتشددين) إلى الإصلاحيين. وقد وصل الإصلاحيون إلى السلطة في عام 1997 ، لكن في ذلك العام، كانوا بديلاً عن حكومة البناء العملي التي كانت تتبنى نهجًا غير أيديولوجي، وكانت تُعتبر أساسًا حكومة تكنوقراطية. لكن في الانتخابات الأخيرة، أصبح الإصلاحيون بديلاً عن أولئك الذين بدأوا مشروع إقصاء الإصلاحيين من خلال "خطاب التنقية" منذ عام 2021.
وفقًا للسلوك السياسي للإيرانيين، كان من المفترض أن يقوم الإصلاحيون بتشكيل حكومة من جناحهم، ويعرّفون التيار الأصولي بـ "الآخر" الخاص بهم، وكان من المتوقع أن يقوموا على الأقل في الحكومة بالتنقية ضدهم. لكن هذا لم يحدث. فقد عرّف السيد بزشکیان، منذ بداية دخوله في الحملة الانتخابية، هوية تتجاوز جناحه السياسي لنفسه وللسلطة، ونقل "الآخر" من داخل السلطة إلى خارج الحدود الوطنية. لم يُعرّف بزشکیان "نحن" بالإصلاحيين و"الآخر" بالأصوليين، بل عرّف "نحن" بجميع الإيرانيين (شعار #لإيران) و"الآخر" بأعداء إيران، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والمعارضة الممولة من الخارج. وقد اعتبر أن الوحدة داخل السلطة هي شرط أساسي للوحدة الوطنية ومفتاح لمواجهة التهديدات الخارجية، ولهذا السبب واجه قبولاً شعبياً.
لنستعرض تصريحات السيد بزشکیان خلال فترة الانتخابات: "صراعنا هو على السلطة... ما دام لم نتحد، لا يمكننا حل مشاكل الناس" وغيرها من التصريحات. كما أظهرت تصنيفات الناخبين للسيد بزشکیان، خصوصًا في الجولة الأولى من الانتخابات، أن الغالبية العظمى من الذين صوتوا له قد صوتوا لشخصيته ووجهة نظره الوطنية وليس لجناحه أو توجهه السياسي.
برزت صدق السيد بزشکیان والتزامه عند اختياره للوزراء، الأمر الذي كان واضحًا للحكومة والشعب. فقد اختار، كما وعد، حكومة تتجاوز التوجهات الحزبية، وتركز على الكفاءة والنزاهة، وحظيت بإجماع المؤسسات الحكومية، لدرجة أن العديد من الإصلاحيين انتقدوه لاختياره لبعض الوزراء. إلا أن منح مجلس الشوري الإسلامي، ذي الأغلبية المحافظة، ثقته لحكومة السيد بزشکیان، أثبت أن اختيار الوزراء كان حكيماً ويهدف إلى تحقيق الوحدة والتوافق الوطني. وعندما رأى نواب البرلمان التزام الرئيس بوعده، تبعوه ومنحوا ثقتهم لجميع وزرائه في حدث نادر، لم يتوقعه الكثير من المحللين السياسيين. إن منح البرلمان الثاني عشر (الذي يهيمن عليه المحافظون ظاهريًا) ثقته لحكومة السيد بزشکیان الإصلاحية (ظاهريًا)، يعد حدثًا بالغ الأهمية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، ويمكن اعتباره "نقطة تحول في النضج السياسي للإيرانيين". لقد سمعنا لسنوات طويلة عبارات مثل "نحن نحترم الاختلاف في الرأي في إطار الدستور"، ولكننا رأينا في الواقع حالات من الإقصاء والتهميش. أثبتت حكومة السيد بزشکیان وأداء مجلس الشوري الإسلامي المتميز في منح الثقة أن هذه الكلمات تحولت الآن إلى أفعال. وأظهر هذا الحدث المهم أن "الآخر الداخلي" في الجمهورية الإسلامية قد أصبح معترفًا به، والأهم من ذلك، أننا أصبحنا قادرين على التمييز بين "الآخر الداخلي" و"الآخر الخارجي". يمكننا أن نجلس مع الأول، وأن نعيش معه، وأن نتبادل معه الأفكار، ونبتعد عن الثاني، ونعزز "الهوية الجماعية" في مواجهته.
من المتوقع أن يكون لهذا الحدث الأهمية دورًا محوريًا في اتخاذ قرارات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي.
سيد محمد حسيني، خبير أول في مركز الدراسات السياسية الدولية
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"