الأطراف الأساسية في ساحة التنافس في مجال الذكاء الاصطناعي: الغرب والشرق

تحولت المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) إلى إحدى السمات المحددة للقرن الحادي والعشرين، مصحوبة بتداعيات كبيرة على القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
۵ شهریور ۱۴۰۳

تحولت المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) إلى إحدى السمات المحددة للقرن الحادي والعشرين، مصحوبة بتداعيات كبيرة على القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وتركز هذه المنافسة بشكل أساسي بين منطقتين رئيسيتين: الغرب بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، ومنطقة الشرق التي تهيمن عليها الصين. ولكل من‌هاتين المنطقتين نقاط قوتها واستراتيجياتها وتحدياتها الفريدة التي ستشكل مستقبل الذكاء الاصطناعي بشكل عميق.

 نهج الغرب تجاه الذكاء الاصطناعي

يعتمد نهج الغرب تجاه الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على الابتكار وريادة الأعمال، وتعتبر الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي في هذا المجال. ويستضيف وادي السيليكون، مركز التكنولوجيا العالمي، بعضًا من أقوى الشركات في العالم مثل جوجل وأبل ومايكروسوفت وأوبن إيه آي. تستثمر هذه الشركات استثمارات ضخمة في البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى إحراز تقدم كبير في مجالات التعلم الآلي ومعالجة اللغات الطبيعية والنظم الآلية.

وقد زادت الحكومة الأمريكية مؤخرًا تركيزها على الذكاء الاصطناعي. ويهدف مبادرة الذكاء الاصطناعي الوطنية التي أُطلقت في عام 2020 إلى ضمان الحفاظ على الريادة الأمريكية العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد عززت هذه المبادرة البحث في هذا المجال وقوت القوى العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتضمن استخدام هذه التكنولوجيا بشكل أخلاقي ومسؤول.

من ناحية أخرى، تؤكد أوروبا على الجوانب الأخلاقية والتنظيمية لتطوير الذكاء الاصطناعي. وقد وضعت الاتحاد الأوروبي لوائح صارمة لضمان تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تحترم حقوق الإنسان والخصوصية. وتعد لائحة حماية البيانات العامة (GDPR) التابعة للاتحاد الأوروبي مثالاً بارزًا على مساعي أوروبا لتحقيق التوازن بين الابتكار وحماية الحقوق الفردية. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت الاتحاد الأوروبي في البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال برامج مثل "أفق أوروبا" بهدف تعزيز الابتكار في جميع أنحاء القارة.

 نهج الشرق تجاه الذكاء الاصطناعي

تعتبر الصين أقوى منافس في سباق الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق. ويتسم نهج الحكومة الصينية تجاه الذكاء الاصطناعي بدعم حكومي قوي، ووصول واسع إلى البيانات، وتركيز أكبر على دمج الذكاء الاصطناعي في المجتمع. وقد قدم المجلس الحكومي الصيني في عام 2017 خطة طموحة لجعل الصين رائدة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، وتشمل هذه الخطة استثمارات ضخمة في البحث والتطوير والتعليم والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

وتأتي ميزة الصين في سباق الذكاء الاصطناعي جزئياً من حجم السكان الكبير وكمية البيانات الضخمة التي يمكن جمعها وتحليلها. وفي تطوير الذكاء الاصطناعي، يعد الوصول إلى مجموعات بيانات كبيرة أمرًا بالغ الأهمية، ويشكل سكان الصين مصدرًا هائلاً من البيانات لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، فإن نهج الحكومة الصينية تجاه خصوصية البيانات أقل تقييدًا، مما يسمح بجمع واستخدام أوسع نطاقًا لهذه البيانات.

تقع شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى مثل بايدو وعلي بابا وتنسنت في صدارة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي تستفيد من السياسات الحكومية التي تشجع على تطوير ودمج الذكاء الاصطناعي بسرعة في مختلف القطاعات مثل الصحة والمالية وغيرها. ويتسم دور الحكومة في تعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي بأنه أكثر مباشرة وتدخلاً مقارنة بالغرب، مما يسمح بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع وأسرع.

 الاختلافات والتحديات الجوهرية

لا تقتصر المنافسة الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي بين الشرق والغرب على التنافس على تطوير أحدث التقنيات فحسب، بل تمتد لتشمل تحديد معايير عالمية لإدارة الذكاء الاصطناعي، حيث تحمل هذه المعايير أهمية بالغة في هذه المنافسة.

تولد هذه الاختلافات تحديًا كبيرًا يتمثل في إمكانية وجود " ازدواجية " في معايير الذكاء الاصطناعي. فإذا لم يتمكن الشرق والغرب من الاتفاق على معايير مشتركة، فقد نشهد عالماً تختلف فيه أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير من منطقة إلى أخرى، أو توجد فروق كبيرة في كيفية استخدام وتنظيم الذكاء الاصطناعي. وقد يؤدي هذا الوضع إلى تصعيد التوترات الجيوسياسية وزيادة التحديات التي تواجه التعاون العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، تزداد أهمية القضايا الأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل التحيز في الخوارزميات وتأثير الذكاء الاصطناعي على العمالة واستخدامه في المراقبة والتطبيقات العسكرية. يجب على كلا الطرفين معالجة هذه القضايا، على الرغم من أن نهجهما قد يختلف تبعًا لخلفياتهما الثقافية والسياسية والاقتصادية.

 مستقبل التنافس في مجال الذكاء الاصطناعي

من المحتمل أن تشتد المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي بين الشرق والغرب في السنوات المقبلة. فكلا الطرفين يدركان جيدًا أن الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي لن تؤدي فقط إلى النجاح الاقتصادي بل ستكون حاسمة أيضًا في مجال النفوذ العالمي.

ومع ذلك، تظل إمكانية التعاون قائمة، حيث تشكل مسائل مثل قوانين وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي والحوكمة العالمية وتأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف والمجتمع تحديات تتطلب حلولًا عالمية. ويمكن للجهود المشتركة بين الشرق والغرب، حتى في ظل وجود منافسة شديدة، أن تساهم في معالجة هذه التحديات.

وفي النهاية، ستشكل نتائج هذه المنافسة مستقبل الذكاء الاصطناعي ودوره في العالم. سواء من خلال المنافسة أو التعاون، سيلعب كل من الشرق والغرب دورًا حيويًا في تحديد كيفية تطور الذكاء الاصطناعي في المجتمعات والاقتصادات والمجالات السياسية.

مهدي سلامي، خبير في مركز الدراسات السياسية والدولية.

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است