النمط السلوكي المعقد في السياسة الخارجية الإيرانية
يصف الباحثون البارزون في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية النمط السلوكي للسياسة الخارجية الإيرانية بأنه معقد وغامض. وتكشف دراسة الآراء المطروحة حول السياسة الخارجية الإيرانية من قبل المحللين الأجانب والمحليين عن وجود قراءات وتفسيرات متعددة ومتضاربة في بعض الأحيان للسياسة الخارجية الإيرانية.
يصف الباحثون البارزون في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية النمط السلوكي للسياسة الخارجية الإيرانية بأنه معقد وغامض. وتكشف دراسة الآراء المطروحة حول السياسة الخارجية الإيرانية من قبل المحللين الأجانب والمحليين عن وجود قراءات وتفسيرات متعددة ومتضاربة في بعض الأحيان للسياسة الخارجية الإيرانية. ومع اندلاع حرب غزة وسعي النظام الصهيوني المحموم لإشراك إيران بشكل مباشر في حرب إقليمية وامتناع إيران؛ برزت مرة أخرى تعقيدات السياسة الخارجية الإيرانية وأثارت تساؤلات في أذهان الباحثين.
- هل تتصرف إيران كدولة أمة مسؤولة؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي مكانة الاستراتيجيات الأيديولوجية في سياستها الخارجية؟
- هل تتبع إيران استراتيجية البقاء؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا هي لاعبٌ ساعٍ للتغيير بشكل واضح ويعرض سلوكيات تدل على ذلك؟
- هل تسعى إيران كلاعب ساعٍ للتغيير إلى زعزعة النظام القائم؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تتجنب الدخول في أي حرب وتتبع باستمرار سياسة الحياد؟
- هل تتركز السياسة الخارجية الإيرانية على تدمير إسرائيل؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تستغل الفرصة الحالية لتفعيل جميع جبهات المقاومة ضد إسرائيل؟
تشير هذه الأسئلة وغيرها الكثير إلى تعقيد فهم طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية. والحقيقة أن فهم السياسة الخارجية للدول بشكل عام وفهم طبيعة السلوك السياسي الخارجي لإيران بشكل خاص أمر معقد، ولكن يمكن استخلاص بعض المبادئ العلمية حول السياسة الخارجية الإيرانية من صميم هذه السلوكيات المعقدة.
لماذا يصعب على المراقبين الداخليين والخارجيين على وجه الخصوص فهم السياسة الخارجية الإيرانية؟
- طبيعة السياسة الخارجية: إن فهم السياسة الخارجية أصلاً مرتبط بالغموض والتعقيد، لأن السياسة الداخلية تسير في بيئة تقبل السلطة ونظام هرمي، بينما تسير السياسة الخارجية في بيئة ترفض السلطة (ونقلًا عن كينيث والتس) ونظام فوضوي.
- البيئة الجيوسياسية لإيران: تقع إيران في بيئة جيوسياسية غير متجانسة، تعاني بالإضافة إلى طبيعتها الموزاييكية من صراعات بنيوية، والأهم من ذلك التدخلات الإيجابية والسلبية للقوى الكبرى. قارن الجغرافيا السياسية لإيران بجغرافيا السياسية لماليزيا. من السهل فهم بساطة وقابلية التنبؤ بالسياسة الخارجية الماليزية لأن هذا البلد يقع في مكان تتماثل بيئته المحيطة به مع ماليزيا في جوانب عديدة، ولا توجد صراعات بنيوية في الجغرافيا السياسية لجنوب شرق آسيا.
- الجذور التاريخية: العديد من سلوكيات السياسة الخارجية الإيرانية لها جذور تاريخية. الخوف الأمني من التدخلات التاريخية للقوى الكبرى، والخوف من الحرب، واعتماد سياسة الحياد في الحروب، والموازنة في المنطقة، والعزلة الاستراتيجية، واستخدام قوة ثالثة في الموازنة، وغياب مصالح استراتيجية للقوى الكبرى في إيران، واستفادة القوى الكبرى من إيران كأداة... هذه هي أهم الجذور التاريخية للعلاقات والسياسة الخارجية الإيرانية التي يتضح امتدادها في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
- تعقيد القضايا المحيطة: القضايا الإيرانية في البيئة المحيطة بالسياسة الخارجية الإيرانية متنوعة ومتضادة ومعقدة للغاية. قارن بين قضايا إيران في بيئة القوقاز ووسط آسيا والشام والخليج العربي؛ مع مراعاة أن المواجهة مع أمريكا والصراع مع إسرائيل تستنزف الكثير من طاقة السياسة الخارجية الإيرانية.
- الطبيعة المزدوجة للسياسة الخارجية الإيرانية: وأخيرًا، فإن أهم تعقيد في السياسة الخارجية الإيرانية هو أن إيران، في تصنيف مورجنثاو لسلوك السياسة الخارجية للدول، هي لاعب "ساعٍ إلى التغيير" و"سلمي" في نفس الوقت.
تُوضح هذه النقاط الخمسة تعقيد السياسة الخارجية الإيرانية، وفي الوقت نفسه، يمكن استخلاص أنماط سلوكية من السياسة الخارجية الإيرانية من صميم هذا الغموض والتعقيد.
- لا تسعى إيران إلى الهيمنة الإقليمية، بل تعتبر، استنادًا إلى تجاربها التاريخية، أن النظام الإقليمي المتولد من الداخل هو الوضع الأمثل لها وللدول الأخرى في المنطقة، وتسعى لتحقيقه من خلال سياسة الجوار ومواجهة التدخل السلبي للقوى الخارجية ومواجهة إسرائيل عمليًا ومنع اندلاع حرب إقليمية.
- تحدد المتطلبات الجيوسياسية التوجه الأساسي للسياسة الخارجية الإيرانية. وتتبع إيران، نظرًا لتعدد وتنوع الأزمات في البيئات المحيطة المختلفة، استراتيجيات متعددة ومتنوعة.
- تتجنب إيران الدخول في حرب قدر الإمكان، ولكنها إذا ما تعرض وجود الدولة للخطر، فإنها تستخدم جميع الوسائل الأمنية والعسكرية لمعاقبة المعتدي.
- السياسة الخارجية الإيرانية عملية، ولكن هذه العملية ليست من نوع العملية الأمريكية (إدوارد هاليت كار( H. Carr))، بل يجب فهم عملية السياسة الخارجية الإيرانية في إطار المفاهيم الفقهية للعزة والحكمة والمصلحة.
- إن فهم السياسة الخارجية الإيرانية من خلال المنطق الواقعي أمر ناقص.
سيد محمد حسيني، خبير أول في مركز الدراسات السياسية والدولية.
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"