تحليل نقاط الضعف في سياسة الجوار خلال زيارة رئيس الجمهورية إلى العراق
سياسة الجوار هي عملية تبدأ بإرادة وحراك الحكومات، ولكنها تتقدم بفعل نشاط الجهات الفاعلة غير الحكومية، وثمارها تُجنى عندما يتحقق الثقة المتبادلة بين الحكومات. وبهذا المعنى، فإن سياسة الجوار تشبه القطار البخاري الذي يجب أن ينطلق من نقطة معينة ليشمل باقي الجيران.
سياسة الجوار هي عملية تبدأ بإرادة وحراك الحكومات، ولكنها تتقدم بفعل نشاط الجهات الفاعلة غير الحكومية، وثمارها تُجنى عندما يتحقق "الثقة المتبادلة" بين الحكومات. وبهذا المعنى، فإن سياسة الجوار تشبه القطار البخاري الذي يجب أن ينطلق من نقطة معينة ليشمل باقي الجيران. وهي تحتاج إلى نموذج أولي يمكن لباقي الجيران أن يستوحوا منه فائدته ويتبنوا استراتيجية الجوار. إذا ما تم إنشاء هذا النموذج الناجح والملهم والدافع لسياسة الجوار، عندئذ يمكننا أن نأمل في "نظام إقليمي متولد من الداخل" يحل تدريجياً محل "النظام الإقليمي المفروض من الخارج" الذي تبنيه القوى الخارجية بتدخلها وإرادتها.
بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي اختارت سياسة الجوار كأولوية في سياستها الخارجية، لا سيما في السنوات الأخيرة، بهدف بدء عملية إقليمية متولدة من الداخل وإدارة العقوبات الأمريكية، فإن العراق هو الخيار الأمثل لإنشاء نموذج وبدء سياسة الجوار. لماذا العراق؟
- سياسة العراق المحايدة: يسعى العراق، في التشكيلات الإقليمية، وخاصة في الصراع بين محور المقاومة والمحور الغربي العربي، إلى اتباع سياسة الحياد، على الرغم من ميوله المعلنة إلى محور المقاومة وميله العملي إلى المحور الغربي العربي.
- العلاقات الشعبية العميقة: ما يجعل العلاقات الجوارية بين إيران والعراق أكثر استعدادًا لإنشاء نموذج هو العلاقات الشعبية العميقة بين الشعبين، والعلاقات العميقة بين الأكراد والعرب والشيعة في إيران والعراق، وهي محركات قوية جدًا لتعميق العلاقات بين الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تحمل العبء الأكبر من سياسة الجوار.
- دور المرجعية: يلعب دور المرجعية الدينية في قم والنجف دورًا لا مثيل له في التقارب بين الشعبين، وهو دعم لا يقدر بثمن لتحقيق سياسة الجوار بين البلدين. وقد كان تشكيل الحشد الشعبي الموحد في إيران والعراق لمواجهة داعش ثمرة لتوجيهات وإرادة المرجعية الدينية.
- الميزة النسبية لإيران: تتمتع إيران بميزة نسبية فنية وهندسية واقتصادية وتجارية للتواجد في عملية إعادة إعمار العراق.
- الإرادة السياسية: هناك إرادة سياسية لدى حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان لتطوير العلاقات الجوارية مع إيران أكثر من أي جار آخر.
مع ذلك، فإن تقدم سياسة الجوار بين إيران والعراق يواجه بعض العقبات، وأكبر هذه العقبات هي "العقوبات الأمريكية ضد إيران"، حيث تسببت هذه العقوبات في تحديات جدية للمبادلات الفنية والتجارية والمصرفية بين إيران والعراق. الحكومة العراقية لديها اعتبارات في التعاون التجاري والمصرفي مع إيران. فهم لا يرغبون أولاً في الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة بسبب التعاون مع إيران، وثانياً، فإن تجاوز الخطوط الحمراء للعقوبات الأمريكية من قبل العراق يمنعهم من المشاركة في سلسلة القيمة العالمية (GVC). الحقيقة المؤلمة هي أن التعاون التجاري والمصرفي الحالي للحكومة العراقية مع إيران يتم بموافقة وزارة الخزانة الأمريكية. لذلك، كلما أرادت الولايات
السيد الدكتور بزشكيان في زيارته الأخيرة إلى العراق تعرف على العقبات التي تعترض توسيع العلاقات الجوارية بين إيران والعراق. إن "الواقعية" و"ثقتهم في الآراء الفنية" قد أعادت إحياء الأمل في أن تكون السياسة الخارجية قائمة على الواقع، على الرغم من أن بعض الحقائق المتعلقة بالسياسة الخارجية الإيرانية مؤلمة.
لقد خاضت إيران تجربتين سابقتين في سياستها الخارجية ينبغي أن تستفيد منهما. في حكومة روحاني، كانت نقطة انطلاق السياسة الخارجية الإيرانية هي الحوار مع القوى الغربية. كان من المفترض أن تحل مسائلنا مع الكتلة الغربية حتى يتم حل مسائلنا الإقليمية، بما في ذلك سياسة الجوار، بسهولة. ولكننا رأينا أن هذا الأمر لم يتحقق فحسب، بل على العكس من ذلك، لعب منافسونا الإقليميون دورًا مهمًا في تحريض ترامب وسحب أمريكا من الاتفاق النووي في عام 2017. وفي التجربة الثانية، اتخذت حكومة إبراهيم رئيسي من سياسة الجوار والانفتاح على الشرق نقطة انطلاق لها، على أمل أن تتمكن من رسم مسار جديد للعلاقات الخارجية الإيرانية من خلال تجاهل العداء الأمريكي، ولكن تبين عمليًا أن ظل العقوبات الأمريكية يلوح فوق كل اتفاق مع الجيران وحتى مع الصين، مما يشكل عائقًا صعبًا.
يسعى كل من السيد بزشكيان والسيد عراقجی، من خلال انتقاد النهجين السابقين، إلى استخلاص تركيبة تجمع بين النهجين السابقين، ومتابعة سياسة الجوار والحوار مع الغرب لإدارة العقوبات وإزالتها في نفس الوقت. هذا النهج جدير بالثناء وذكي بشكل عام، ولكن السؤال الكبير الذي يواجه خبراء السياسة الخارجية الإيرانيين هو: كيف يمكن رسم خريطة طريق لدمج هذين النهجين في إطار متكامل؟
سيد محمد حسيني، خبير أول في مركز الدراسات السياسية والدولية.
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"