التطبیع العربی والکیان الصهیونی: توقف أم تأخیر؟

القوة الإنتاجیة هی الطریقة الأکثر تعقیدًا وفعالیة لممارسة السلطة. إن الطروحات والمفاهیم تولد القوة، وقوة الخطاب، من خلال تصورها، تصوغ الحقائق الاجتماعیة والسیاسیة بلون مفاهیمها، وبهذه الطریقة تستخدم الأفکار والعواطف لمصالحها الخاصة. إن قوة الخطاب الذی یتم إعادة إنتاجه، والجوانب الأخرى من القوة ستکون أیضًا فی أیدی حاملی الخطاب المهیمن. وبناءً على ذلک، فإن الخطابات السائدة تقاوم بشدة الخطابات المضادة (الخطابات المتنافسة). کل واقع یحدث، تحاول الخطابات والخطابات المضادة تغییر الواقع إلى لونها الخطابی، وبهذه الطریقة تعید إنتاج طروحاتها الخطابیة.
5 جمادى الأولى 1445
رویت 1044
سید محمد حسینی

القوة الإنتاجیة هی الطریقة الأکثر تعقیدًا وفعالیة لممارسة السلطة. إن الطروحات والمفاهیم تولد القوة، وقوة الخطاب، من خلال تصورها، تصوغ الحقائق الاجتماعیة والسیاسیة بلون مفاهیمها، وبهذه الطریقة تستخدم الأفکار والعواطف لمصالحها الخاصة. إن قوة الخطاب الذی یتم إعادة إنتاجه، والجوانب الأخرى من القوة ستکون أیضًا فی أیدی حاملی الخطاب المهیمن.  وبناءً على ذلک، فإن الخطابات السائدة تقاوم بشدة الخطابات المضادة (الخطابات المتنافسة). کل واقع یحدث، تحاول الخطابات والخطابات المضادة تغییر الواقع إلى لونها الخطابی، وبهذه الطریقة تعید إنتاج طروحاتها الخطابیة.

وفی القضیة الفلسطینیة، أنشأ التیاران السیاسی والأمنی الرئیسیان، أی جبهة المقاومة، والجبهة الغربیة العربیة العبریة، بنیة ثنائیة القطب.  وقوة هاتین الجبهتین أکبر من المکونات المادیة فی مکوناتهما المعیاریة، جبهة المقاومة تقوم على خطاب المقاومة، والجبهة الغربیة العربیة تقوم على خطاب التسویة.  عندما یحدث واقع کاقتحام الأقصى وحرب غزة، یحاول حاملو کل خطاب من خطاب التسویة والمقاومة تقدیم هذه الحرب بلون خطابهم. وتقدم جبهة المقاومة روایة انکسار هیمنة الکیان الصهیونی وعدوانیة الصهاینة، وعدم کفاءة الأنظمة الدولیة، والدعم المنحاز لأمریکا والغرب لجرائم الصهاینة المکشوفة، تأکیدا على صحة خطاب المقاومة. کما تقدم الجبهة العربیة حجم القتل وشدة الدمار وحتمیة التعایش مع النظام الصهیونی وعدم دعم الکتلة الغربیة لفلسطین وغیرها کتأکید على صحة خطاب التسویة.

ینبغی أن نعتبر "ضرورة التطبیع مع النظام الصهیونی" بمثابة بیان فی صیاغة خطاب التسویة، واعتبار "عدم التسویة مع النظام الصهیونی" طرحا فی صیاغة خطاب المقاومة.

وبما أن خطاب المقاومة وخطاب التسویة یقعان فی حالة ثنائیة القطب (خطاب مضاد وخطاب مهیمن) فیما یتعلق ببعضهما البعض، فإن فشل التطبیع بالنسبة للمتفقین العرب سیعنی انهیار خطاب التسویة. ولذلک فإن أصحاب الخطاب التوفیقی یقاومون هذا الانهیار، ولن یسمحوا بأن یصبح خطاب المقاومة المضاد هو الخطاب السائد فی منطقة غرب آسیا.  فالمسألة لیست فقط التطبیع مع النظام الصهیونی أو قطع العلاقات مع هذا النظام. بل القضیة الأساسیة بالنسبة للعرب هی إعادة إنتاج الخطاب العربی الذی بدأ عام 1979، أی کامب دیفید، ووصل إلى أوسلو الأولى والثانیة عامی 1993 و1995، ومن هناک وبفارق 18 عاماً وصل إلى القمة. وکان تطبیع الإمارات والکیان الصهیونی، ومواصلة مسألة تطبیع العلاقة بین السعودیة والکیان الصهیونی، على جدول الأعمال.

الآن أصبح التطبیع مکلفا للغایة فی الرأی العام فی العالم العربی، لکن الدوافع السیاسیة فی المنطقة ستسعى إلى إحیائه من جدید، ماذا لو لم یکن لدى الدول العربیة (ولیس لدیها) أی سبب للدخول فی الصراع بعد "انفجار القنبلة الحربیة" بل أوقفوا التوجهات الماضیة مؤقتاً، ومن علامات ذلک کلام خالد الفالح وزیر الاستثمار السعودی الذی قال قبل أیام: وأضاف أن "تطبیع العلاقات مع النظام الصهیونی لا یزال مطروحا على الطاولة، لکنه مشروط دائما بتحقیق حل سلمی للقضیة الفلسطینیة".

لذلک، ومن وجهة نظر تحلیل الخطاب، فإن حرب غزة لن توقف عملیة التطبیع؛  بل سیعزز دوافع العرب، وخاصة النظام الصهیونی، لمواصلة التطبیع ومواجهة خطاب المقاومة. الدول العربیة لیست مستعدة لترک خطاب المقاومة یهیمن على المنطقة، ولن یکون النظام الصهیونی مستعداً لتعزیز خطاب المقاومة. وکلما زادت أضرار هذا النظام فی هذه الحرب، کلما زادت دوافع هذا النظام لتقدیم المزید من التنازلات للدول العربیة لصالح التطبیع.  والکیان الصهیونی مستعد لتقدیم المزید من التنازلات للعرب حتى یعاد إنتاج خطاب التسویة فی المنطقة.

سید محمد حسینی، خبیر أول فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است