المتغیرات التی تؤثر على نهج مصر تجاه إیران والخلیج العربی

بعد المصالحة الدبلوماسیة بین إیران والمملکة العربیة السعودیة ، أحدثت موجة من التطورات الإیجابیة فی المنطقة وشجعت دول الخلیج الفارسی الأخرى على استئناف أو تعزیز العلاقات مع جمهوریة إیران الإسلامیة، یشیر الخبر إلى أن مصر الآن تسعى أیضا لتحسین واستئناف العلاقات الدبلوماسیة مع بلادنا من خلال وساطة العراق. وبناءً على ذلک ، فإن البلدین اللذین قطعت علاقتهما منذ انتصار الثورة الإسلامی
22 ذو القعدة 1444
رویت 504
محمد مهدی مظاهری

بعد المصالحة الدبلوماسیة بین إیران والمملکة العربیة السعودیة ، أحدثت موجة من التطورات الإیجابیة فی المنطقة وشجعت دول الخلیج الفارسی الأخرى على استئناف أو تعزیز العلاقات مع جمهوریة إیران الإسلامیة،  یشیر الخبر إلى أن مصر الآن تسعى أیضا لتحسین واستئناف العلاقات الدبلوماسیة مع بلادنا من خلال وساطة العراق. وبناءً على ذلک ، فإن البلدین اللذین قطعت علاقتهما منذ انتصار الثورة الإسلامیة ، قد یکون بإمکانهما العودة مرة أخرى نحو التعاون مع بعضهما البعض من خلال وساطة بغداد. ولکن ما هی السبل التی تعتبر إیران ومنطقة غرب آسیا والخلیج الفارسی مهمة لمصر ، ولماذا أعربت هذه الدولة الواقعة فی شمال إفریقیا عن رغبتها فی تحسین العلاقات مع إیران ، على بعد مسافة قصیرة من تحسین العلاقات بین إیران والمملکة العربیة السعودیة؟ یبدو أن أسباباً مختلفة ساهمت فی تغییر نهج مصر ، سوف نشیر الى بعضها هنا:

  1. المتغیرات الاقتصادیة

مصر دولة یزید عدد سکانها عن مائة و أربعة ملیون نسمة ، یعانی قطاعاها الصناعی والزراعی من مشکلة التخلف ، وتأتی معظم عائداتها من النقد الأجنبی من قطاعی الخدمات والسیاحة. ونتیجة لذلک ، کان وباء فیروس کورونا وأزمة أوکرانیا أزمتان خطیرتان أثرتا بشکل أساسی على الاقتصاد المصری المریض ؛  تسبب وباء فیروس کورونا فی انخفاض غیر مسبوق فی الدخل من السیاحة فی مصر. کما أن الحرب بین روسیا وأوکرانیا اللتین تزودان العالم بنحو 30٪ من القمح ، وضعت مصر فی موقف صعب کأکبر مستورد للقمح. وبناء على ذلک ، یبدو أن جذب رؤوس الأموال الأجنبیة والمزید من السیاح من بین الحلول التی یمکن أن تنقذ الاقتصاد المصری من الانهیار. لذلک ، فإن تطویر العلاقات مع دول الخلیج الفارسی ، بما فی ذلک إیران ، هو على جدول أعمال هذا البلد.

  1. المتغیرات السیاسیة - الأمنیة

على مدار الأربعین عاماً الماضیة ، کانت هناک قضایا مثل قضیة فلسطین واتفاقیة کامب دیفید على المستوى الإقلیمی ، بالإضافة إلى اختلاف وجهات نظر البلدین حول الهیکل الذی یحکم النظام الدولی وشروطه وکیفیة التعامل مع القوى العظمى ( التغریب فی مصر مقابل معاداة الغرب) بالنسبة لإیران) على المستوى الدولی ؛  لقد کانت من بین العوامل التی تسببت فی الخلاف بین البلدین. على الرغم من استمرار العدید من هذه الخلافات فی المرحلة الحالیة بل وتفاقمت بسبب تصاعد التوترات بین إیران وإسرائیل والتعلیق طویل الأمد لخطة العمل الشاملة المشترکة ، إلا أن تحسن علاقات المملکة العربیة السعودیة مع إیران وضع هذا الخیار أمام المصریین، على الرغم من الخلافات حول القضایا الإقلیمیة والدولیة ، فمن الممکن تطویر العلاقات وتحسینها والترکیز على النقاط المشترکة الضروریة لحل القضایا الإقلیمیة. بالإضافة إلى ذلک ، على الرغم من ادعاءات مصر التاریخیة بأنها زعیمة العالم الإسلامی ، إلا أن هذا البلد قد نأى بنفسه عن هذا المثل الأعلى لسنوات عدیدة وهو راضٍ عن لعب دور هامشی. خلال هذه السنوات کانت المملکة العربیة السعودیة هی الأب الروحی للدول العربیة والزعیم الحقیقی للعالم العربی؛ نتیجة لذلک ، من أجل الحفاظ على مکانتها و موقعها النسبی فی العالم العربی والإسلامی ، تحاول مصر تجنب التحرکات أحادیة الجانب والمضادة للاتجاه للمملکة العربیة السعودیة.

  1. المتغیرات الجیوسیاسیة

إیران ومصر دولتان إقلیمیتان مهمتان على جانبی منطقة الشرق الأوسط ، تتمتعان بالعدید من المیزات التی تجعلهما متشابهین؛ دور إیران الذی لا غنى عنه فی الخلیج الفارسی وآسیا الوسطى والقوقاز ، ودور مصر الذی لا یمکن الاستغناء عنه فی البحر الأحمر والبحر الأبیض المتوسط وشمال إفریقیا. بناءً على ذلک ، فإن إیران ومصر ، اللتان تتمتعان بموقع جیوسیاسی خاص فی منطقة الشرق الأوسط ، تلعبان دوراً مهماً فی أمن هذه المنطقة ، بحیث لا یقتصر نطاق النفوذ والعمق الاستراتیجی لهاتین الدولتین على حدودهما.

ونتیجة لذلک ، فمنذ عهد جمال عبد الناصر حتى یومنا هذا ، کانت الاعتبارات الأمنیة لمصر تقتضی أن یتجه هذا البلد نحو الشرق ، وکان من رکائز السیاسة الخارجیة لمصر دائماً الترکیز على منطقة من العالم العربی ، وهی تسمى بمصطلح "الشرق العربی". تشمل هذه المنطقة الجغرافیة جمیع دول العراق وسوریا والأردن ولبنان وفلسطین وست دول على طول الخلیج العربی. تدرک الحکومة المصریة جیداً حقیقة أن منطقة الخلیج الفارسی هی منطقة نفوذ لإیران ؛ لذلک ، من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادیة والسیاسیة والثقافیة والدینیة فی منطقة الخلیج الفارسی ، هذا البلد یبحث عن وجود أکثر فعالیة فی هذه المنطقة والتواصل مع جمیع دولها. من ناحیة أخرى ، بما أن إیران ومصر تهیمنان على مضیقین استراتیجیین فی الشرق الأوسط ، فإن الفجوة بین هذین البلدین ستقلل من السلطة الوظیفیة لهذه المنطقة الجیوسیاسیة ؛ لذلک ، من الطبیعی أن یسعى الطرفان إلى إطار مشترک لتنمیة العلاقات الثنائیة.

  1. عودة سوریا إلى أحضان العالم العربی

رغم أن الحکومة المصریة دعمت المعارضة السوریة فی بدایة الأزمة السوریة واتخذت موقفاً ضد الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، لکن الآن مع مرور أکثر من أثنى عشر عاماً على هذه الأزمة وبقی حکم الأسد فی هذا البلد وعودة سوریا إلى جامعة الدول العربیة ، کما تعتقد السلطات المصریة مثل نظرائهم فی العالم العربی علیهم الاعتراف بخطئهم التحلیلی فیما یتعلق بمستقبل سوریا ، واتخاذ طریق الصداقة مع هذا البلد وحلفائه أیضاً ، بما فی ذلک إیران.

  1. المتغیرات الثقافیة - الحضاریة

إیران ومصر دولتان صنعتا التاریخ وصنعتا الحضارات فی منطقة غرب آسیا وشمال إفریقیا. مما لا شک فیه أن هذین البلدین قد برزا منذ فترة طویلة کقوتین ثقافیتین عظمیین فی تاریخ البشریة؛ تتضح آثار وأدلة الروابط الجادة الأولى بین الحضارتین العظیمتین فی العالم القدیم ، أی إیران ومصر ، فی بدایة النصف الثانی من الألفیة الأولى قبل المیلاد وخلال حکم الأخمینیین فی إیران. فی العصر الحالی ، یحاول کلا البلدین استعادة مکانتهما الحضاریة والثقافیة السابقة ، وهذا یخلق حافزاً لتنمیة التعاون بینهما. بالإضافة إلى ذلک ، کانت العلاقات الطیبة و الجیدة بین هذین البلدین فی العالم الإسلامی‌باعتبارهما لاعبین کبیرین ومهمین  دائماً و بالتالی ، فإن تعزیز العلاقات بین البلدین سیکون له فوائد کبیرة للمنطقة والشعبین والعالم الإسلامی ومجال الحضارة الإسلامیة.

وبناءً على ذلک ، یبدو أنه بالرغم من أن مستوى الخلافات بین إیران ومصر لا یختلف کثیرًا فی المرحلة الحالیة ، إلا أن التغییر فی الأجواء الدبلوماسیة فی المنطقة بعد تحسن العلاقات بین إیران والسعودیة وتهیئة الظروف لتکوین جو من التعاون ونوع جدید من النظام الأمنی ، حث و شجع الحکومة المصریة على عدم التخلف عن منافسیها الإقلیمیین و محاولة الحصول و النیل على نصیب مناسب فی التطورات إلإقلیمیة الجدیدة ؛ نصیب یذکر بمطالب هذا البلد للعب دور جاد فی العالم الإسلامی ویمکنه حل وتنظیم بعض الأزمات الداخلیة لهذا البلد.

محمد مهدی مظاهری، استاذ جامعی

    "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است