التنافس بین الشرق والغرب فی القارة الخضراء أو الصراع بین الدیمقراطیة والسلطویة

فی عالم مصاب بفیروس کورونا، عالم غیر آمن، شهد ظروفًا خاصة ومعقدة ومتغیرة للغایة وتطورات عالیة السرعة، وانتصار بایدن فی أمریکا، جعل الوضع الحالی فریدًا من نوعه. فی هذا السیاق، تحاول أوروبا لعب دور أکثر بروزًا فی التطورات الدولیة مع نهضة علاقاتها مع واشنطن.
23 شعبان 1442
رویت 873
علی‏ بمان اقبالی زارتش

فی عالم مصاب بفیروس کورونا، عالم غیر آمن، شهد ظروفًا خاصة ومعقدة ومتغیرة للغایة وتطورات عالیة السرعة، وانتصار بایدن فی أمریکا، جعل الوضع الحالی فریدًا من نوعه. فی هذا السیاق، تحاول أوروبا لعب دور أکثر بروزًا فی التطورات الدولیة مع نهضة علاقاتها مع واشنطن. الحقیقة هی أن التطورات التی حدثت فی أوروبا فی أواخر القرن العشرین وهیمنة الإقتصاد الغربی والدیمقراطیة على الإقتصاد المرکزی والنظام المغلق للمعسکر الشیوعی قد حولت المیزان لصالح قادة أوروبا الغربیة. والآن، بعد عقدین من الألفیة الثالثة، أصبح الإتحاد الأوروبی، على الرغم من هشاشته، قوة اقتصادیة مهیمنة، لا سیما فی التبادلات الخارجیة، والذی یغطی أیضًا جزءًا کبیرًا من وسط وجنوب شرق القارة الخضراء. والآن، لم تتمکن هذه المؤسسة المهمة، إلى جانب توسعها وتطورها، من منع ظهور المشاکل والتحدیات القومیة والعرقیة، خاصة لأعضائها المتوسطین والضعفاء. والسؤال الجوهری هو سبب تنامی الإستبداد والقومیة والشعبویة والى حد ما الأخضر ضد انحدار الأحزاب التقلیدیة ؟! والسؤال الأهم هو إلى أی مدى ستؤثر هذه العملیة على عملیة تقارب الإتحاد فی مجال القارة الخضراء والتطورات الدولیة؟ والسؤال الثالث، هل المحورین، الغرب والشرق، دخلوا فی صراع ناعم یسمى الدیمقراطیة والسلطویة؟

یعتبر فشل الإتحاد الأوروبی فی تحقیق هویة دیمقراطیة من أهم التحدیات التی تواجه المؤسسة السیاسیة فی الداخل والخارج، فی مجال السیاسة الخارجیة مثل الرد على السلوک السیاسی والعسکری لروسیا، أو الوفاء بالتزامات الإتفاقیة النوویة لمجموعة 1 + 5 مع جمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، نشهد نهجًا متعددًا وغیر دیمقراطی لأوروبا؛ أی أن الإتحاد الأوروبی لم یصل إلى مرحلة بناء مجتمع دیمقراطی یقوم على مجموعة من القیم الثمینة. وسیؤدى استمرار الإتجاه الحالی فی حدوث تباعد فی أوروبا. بالطبع، من الواضح أن العدید من المشاکل متجذرة فی الإقتصاد کما أدى النمو الإقتصادی غیر المتوازن والتنافس بین الشرق والغرب فی أوروبا إلى تقسیم القارة إلى مجموعتان، غنی وفقیر. ووفقًا لأوراستات، یعیش حوالی خمس سکان أوروبا فی فقر، وهو ما یقرب من مائة ملیون. وقد تم تأکید ذلک فی معظم استطلاعات الرأی، حیث قال أکثر من 73٪ من الأوروبیین إن الفقر مشکلة رئیسیة و 89٪ یقولون إن بلادهم بحاجة إلى محاربة الفقر.

الیوم، تشعر دول أوروبا الشرقیة، خاصة بعد فوز بایدن فی الولایات المتحدة، بالقلق من تصرفات وتحرکات روسیا. تتجذر المخاوف فی التطورات فی جورجیا وأوکرانیا ومنطقة ناغورنو کاراباخ، فضلاً عن رد الفعل الضعیف للغایة من بروکسل وزیارة جوزیف بوریل إلى موسکو فی منتصف فبرایر. من الواضح أن مسؤول السیاسة الخارجیة فی الإتحاد الأوروبی کان أداءه ضعیفًا فی التفاوض مع المسؤولین الروس ونقل رسالة استیاء الاتحاد الأوروبی من موسکو، لا سیما فی التعامل مع ناقد السید بوتین، ألیکسی نافالنی، الذی عقد على الفور البرلمان الأوروبی، واضطر السید بوریل فبرایر للدفاع عن رحلته إلى موسکو فی جلسة عامة، والتی لم تکن مقنعة. فی نهایة الجلسة، وقع أکثر من 80 عضوًا فی البرلمان الأوروبی، معظمهم من أوروبا الوسطى والشرقیة، على عریضة تطالب بإقالة بوریل، الذی أصبح عاجزًا عن تولی المنصب.

والحقیقة أن المحللین الأوروبیین یجدون صعوبة فی الدفاع عن أداء رئیس الدبلوماسیة الأوروبیة فی موسکو. ربما اعتقد الکثیرون أن هذا کان إهانة حقیقیة للغرب من قبل روسیا. الجدل حول بوریل هو خروج عن جوهر الموضوع، نظرًا لأنه یجب تحلیل السیاسة الخارجیة للإتحاد الأوروبی ولیس أداء الممثل السامی، من ناحیة أخرى، فإن قادة الإتحاد الأوروبی، وخاصة ألمانیا وإیطالیا وبعض الدول فی المناطق الوسطى والشرقیة مثل المجر وبلغاریا، لیس لدیهم إرادة لمواجهة نهج عدوانی لموسکو. جدیر بالذکر أن الإتحاد الأوروبی أعلن فی بیان یوم 12 مارس 2021 تمدید عقوباته على أکثر من 200 فرد وکیان روسی لمدة 6 أشهر أخرى، وأعلن أن العقوبات المفروضة منذ عام 2014 فیما یتعلق بضم شبه جزیرة القرم. وشبه الجزیرة وسیفاستوبول فُرضت على روسیا ضد أکثر من 200 فرد وکیان روسی ، لتمتد إلى سبتمبر 2021. وقال مجلس أوروبا أیضًا فی بیان بشأن تمدید عقوبات الإتحاد الأوروبی ضد روسیا، إن الإجراءات التقییدیة الحالیة تشمل قیود السفر وتجمید الأصول وحظر وصول الأفراد والکیانات الخاضعین للعقوبات إلى موارد الاتحاد الأوروبی المالیة والإقتصادیة. ستظل عقوبات الإتحاد الأوروبی ضد 177 فردًا و 48 کیانًا ساریة.

أصبحت قضیة سیادة القانون وعدم تدخل الحکومة فی القضاء من أهم التحدیات التی یواجهها الإتحاد الأوروبی خاصة فی مواجهة دول وسط وشرق أوروبا مثل المجر وبولندا ورومانیا، بحیث الإتحاد الأوروبی عازم على إخضاع هذه الدول لعقوبات اقتصادیة. شهد البرلمان الأوروبی فی بروکسل الأربعاء 10 مارس مناقشات سیاسیة بین الأحزاب السیاسیة الأوروبیة المعتدلة والیساریة ضد ممثلی الأنظمة الیمینیة فی أوروبا الوسطى. وتم الإعلان عن أن الجهود المبذولة لإغلاق وسائل الإعلام الحکومیة الناقدة تتجاوز المجر وبولندا. لکن قانون الإتحاد الأوروبی الحالی یعنی أن المفوضیة الأوروبیة لا تفعل شیئًا یذکر. فی المجر، شهدت الحکومة القومیة لرئیس الوزراء فیکتور أوربان شراء الصحف من قبل أصدقائه الأثریاء قاموا إما بإغلاقها أو اختیار محررین مؤیدین للحزب. فی بولندا، تقوم وسائل الإعلام التی تدیرها الدولة فقط "بالترویج لأهداف ونهج الحکومة والحزب الحاکم" فیما أسماه وزیر الخارجیة البولندی السابق رادیک سیکورسکی "دعایة غوبلزی". وتحاول الحکومة فرض ضریبة جدیدة على الإعلانات الرقمیة المصممة لإفقار وسائل الإعلام المستقلة. وفی سلوفینیا، اتُهم رئیس الوزراء یانیز یانشا، بخلق جو خطیر من خلال شن هجمات لفظیة على الصحافة، مثل إنشاء تغریدة شعبیة تصف الصحافیتین "بائعات الهوى". وصرح عدد من النواب فی جلسة البرلمان بحدوث انتهاکات مماثلة فی جمهوریة التشیک وسلوفاکیا، بینما فی بلغاریا أدت ملکیة وسائل الإعلام من قبل الأولیغارشیة الموالیة للحکومة إلى تآکل الصحافة الحرة على نهج المجر وبولندا.

 فی استنتاج عام، یمکن الإعتراف بما یلی:

أ. دول أوروبا الشرقیة، وخاصة رومانیا وبولندا وجمهوریات البلطیق، قلقة للغایة بشأن سلوک روسیا ومقارباتها بسبب الدعایة المبالغ فیها لواشنطن، قضیة أصبحت منافسة ناعمة وباردة فی البحر الأسود.

ب- اتخذ قادة العدید من دول وسط وشرق أوروبا، وخاصة بولندا والمجر، طریق الإستبداد والشعبویة أکثر من أی وقت مضى، مستغلین الوضع الدولی المعقد وانتشار کورونا.

ج: بروکسل، خاصة مع تدخل برلین وروما وبودابست لأسباب مختلفة، بما فی ذلک حاجتها واعتمادها على الطاقة الروسیة، لم تتمکن من اتخاذ إجراءات فعالة للرد على سلوک موسکو غیر المتوازن.

د: على الرغم من أن واشنطن فی عهد ترامب کانت لدیها تعاون مکثف مع 14 دولة فی المنطقة فی شکل مبادرة البحار الثلاثة (البلطیق والأدریاتیک والأسود)، ولکن مع انتصار بایدن، ستکون هناک تغییرات خاصة فی المناهج الدفاعیة والأمنیة الأمریکیة والطریقة التی تنظم بها العلاقات مع شرق ووسط أوروبا وموسکو.

 علی اقبالى زارتش، خبیر أول فی الدراسات الأوروبیة

           "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است