إتجاهات السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة بعد إنتخابات نوفمبر

من الممکن تفسیر نتیجة الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة الأخیرة على أنّها رغبة الشعب الأمریکی فی تغییر الإتجاهات فی السیاسة الداخلیة والخارجیة للبلاد. نظراً إلى فترة ولایة ترامب التی دامت أربع سنوات، فإنّ توجهات بایدن السیاسیة ترکّز على الشؤون الداخلیة، وبشکل خاص إنقاذ الإقتصاد من آثار إنتشار فیروس کورونا، یلیها الترکیز على شرق آسیا، وحمایة المصالح الإقتصادیة للبلاد بالتفاعل مع الصین ونهج التعددیة واحترام المؤسسات الدولیة. إنّ شرط تشکیل هذه الإتّجاهات هو أولاً وقبل کل شیء، الإنتقال السلمی للسلطة داخل الولایات المتحدة.
17 ربيع الثاني 1442
رویت 742
مجتبی فردوسی پور

 من الممکن تفسیر نتیجة الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة الأخیرة على أنّها رغبة الشعب الأمریکی فی تغییر الإتجاهات فی السیاسة الداخلیة والخارجیة للبلاد. نظراً إلى فترة ولایة ترامب التی دامت أربع سنوات، فإنّ توجهات بایدن السیاسیة ترکّز على الشؤون الداخلیة، وبشکل خاص إنقاذ الإقتصاد من آثار إنتشار فیروس کورونا، یلیها الترکیز على شرق آسیا، وحمایة المصالح الإقتصادیة للبلاد بالتفاعل مع الصین ونهج التعددیة واحترام المؤسسات الدولیة. إنّ شرط تشکیل هذه الإتّجاهات هو أولاً وقبل کل شیء، الإنتقال السلمی للسلطة داخل الولایات المتحدة.

من الممکن تفسیر نتیجة الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة الأخیرة على أنّها رغبة الشعب الأمریکی فی تغییر الإتجاهات فی السیاسة الداخلیة والخارجیة. عند دراسة إتجاهات السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة، بإلقاء نظرة سریعة على استراتیجیتها، نجد أن نهجی "الهیمنة" و "ضبط النفس" تمّ استخدامهما دائمًا کأدوات لتعزیز أهداف هذه السیاسات. وأیضاً، فإنّ حکومة الولایات المتحدة قد حقّقت أحیانًا هذه الأهداف بدعم من أقوى جیش فی العالم وباعتمادها على الضغط والوسائل العسکریة. وأحیاناً، لتجاوز المشاکل الداخلیة، کانت بحاجة إلى خفض الإنفاق العسکری فی طلیعة عملیة صنع القرار فی البلاد، وبالتالی، فإنّ استخدام الوسائل السلمیة یفوق الوسائل العسکریة، والتی بدورها تحمل مفهوم دعم ضبط النفس فی السیاسة الخارجیة.    

أساسًا، یعتمد هدف السیاسة الخارجیة الأمریکیة على حجج صانعی القرار والعلماء، یجب أن یقوم بالحفاظ على أمن وسلطة هذا البلد. ولکن منذ الحرب العالمیة الثانیة، الولایات المتحدة إتّبعت سیاسات صعبة ومکلفة فی آن واحد لتحقیق الهدف الذی لا یمکن تحقیقه والمتمثل فی الهیمنة على العالم. فی ذات الوقت، فی کثیر من الحالات لم یلبی احتیاجات هذا البلد فی المجال الأمنی.

أثناء ذلک، فی الفترة الرئاسیة الأخیرة للولایات المتحدة، أصبحت الحاجة للتقید بالإلتزامات الدولیة عاملاً فعالاً فی المطالبة بتحقیق عملیة التغییر فی ظل جائحة کوفید19 والتی یرد ذکر معالمها الأساسیة أدناه.

 

  • الإتجاهات العامة فی السیاسة الخارجیة فی فترة بایدن:

على عکس إتجاهات السیاسة الخارجیة الأمریکیة فی عهد ترامب، حیث کان أمراء الحرب فی طلیعة عملیة صنع القرار، فی عهد بایدن، ستکون وزارة الخارجیة الأمریکیة هی القوة الدافعة وراء عملیات صنع القرار.  لذلک، یجب الإعتراف بأنّ موقف البیت الأبیض مع وزارة الخارجیة سیکون أکثر انسجامًا بکثیر من  موقف إدارة ترامب.  بمعنى آخر، ستظهر الإتجاهات الجدیدة نوعًا من النهج التنافسی لفترة ما قبل نوفمبر. هذا هو السبب فی أن سیاسیی البیت الأبیض فی عهد بایدن سیحاولون إستعادة تحالفاتهم التقلیدیة مع أوروبا الغربیة وأمریکا الشمالیة والعودة إلى مدونة سلوک تقوم على احترام المؤسسات والسیاسات الدولیة التعددیة. کما سیرحبون بسیاسات الهجرة وتغیر المناخ والتجارة الخارجیة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

إن اتّباع نهج تجنب الأزمات الخارجیة بهدف الترکیز على الشؤون الداخلیة، ولا سیما إزالة الآثار السلبیة لوباء کوفید 19 للإتجاهات الاقتصادیة الأمریکیة، وبناء الحکومة المحلیة، وتخفیف الضغط من المجالات الصناعیة والتجاریة الأجنبیة، سیقیس أداء الإدارة الدیمقراطیة. وفی الوقت نفسه، فإن تخفیف ضغط إدارة ترامب على الشرکاء التجاریین للولایات المتحدة فی منطقة آسیا والمحیط الهادئ هو فی طلیعة هذه السیاسات. وبالتالی، ستستمر سیاسة التواصل مع بکین والتعامل المحدود مع إیران على أساس سیاسات عهد أوباما، على عکس صراع عهد ترامب، إلى جانب إعادة تدویر السیاسات التعددیة.

  • اتجاهات السیاسة الخارجیة لبایدن فی غرب آسیا:

بناءً على الأدلة المتوفرة، ستستمر عملیة فصل العلاقات العسکریة عن غرب آسیا (الشرق الأوسط) إلى جانب سیاسة تقلیص التواجد العسکری فی المنطقة فی فترة بایدن. وبالتالی، من خلال تقلیص ترکیزها على أوروبا وغرب آسیا، ستتحرک الولایات المتحدة فی اتجاه الترکیز على شرق آسیا، وخاصة الصین.

فی هذه الحالة، لا شک أن بعض حکام الشرق الأوسط العربی لیسوا سعداء بهذا التغییر نتیجة انتصار بایدن. المملکة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة ومصر من بین تلک الدول التی لن یولیهم البیت الأبیض اهتمامًا خاصًا کما فی عهد ترامب. على الرغم من أن قضایا حقوق الإنسان لهذه الدول لن تستخدم کأولویة أولى للضغط علیها، إلا أنه سیتم تشجیع حل الأزمة فی العلاقات السعودیة الیمنیة من خلال الحوار والحلول الدبلوماسیة.

فی حالة ترکیا أیضًا، تتفاقم مخاوف البلاد مع لجوء فتح الله غولن إلى الدیمقراطیین الأمریکیین ونهج تقلیص سلطة حزب التنمیة والعدالة من جهة وعرقلة سیاسات ترکیا فی غرب آسیا وجنوب القوقاز من جهة أخرى، لا یظهر أفق مرضی لهذا البلد مقارنة بما کان علیه فی عهد ترامب.

فی غضون ذلک، فإن العودة إلى سیاسة إدارة أوباما تجاه إیران وتجاهل ضغوط النظام الصهیونی وحلفائه فی المنطقة، إلى جانب العودة إلى برجام، هی تنبؤات الدوائر والنخب الدبلوماسیة.

وعلى صعید القضیة الفلسطینیة، فإن التعاون مع السلطة الفلسطینیة سیستمر بالتوازی مع دعم نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس المحتلة وسیاسة احتلال هضبة الجولان السوریة. فی غضون ذلک، فإن سیاسة صفقة القرن ترامب وضم الضفة الغربیة خارج أجندة البیت الأبیض وستستمر بدلاً من ذلک عملیة التسویة وتطبیع العلاقات بین الدول العربیة والنظام الصهیونی.

مما لا شک فیه فإنّ توجهات بایدن السیاسیة ترکّز على الشؤون الداخلیة، بشکل خاص إنقاذ الإقتصاد من آثار إنتشار فیروس کورونا، یلیها الترکیز على شرق آسیا، وحمایة المصالح الإقتصادیة للبلاد بالتفاعل مع الصین ونهج التعددیة واحترام المؤسسات الدولیة. إنّ شرط تشکیل هذه الإتّجاهات هو أولاً وقبل کل شیء، الإنتقال السلمی للسلطة داخل الولایات المتحدة.

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است