مصائد الدیمقراطیة فی شمال إفریقیا

إتّخذت الموجة الثانیة من الإنتفاضات الشعبیة فی الدول العربیة عام ۲۰۱۹ شکل احتجاجات سلمیة وهی مستمرة فی الجزائر والسودان وتونس. یسعى المحتجون العرب باستخدام التجربة المریرة للموجة الأولى من الإنتفاضات، التی أطلق علیها الغرب الربیع العربی، إلى الإطاحة بالأنظمة الفاسدة التی تحکم بلادهم، بالإضافة إلى محاولة الإطاحة بالدیکتاتوریین.
28 ربيع الأول 1442
رویت 808
محمد نیکخواه

 إتّخذت الموجة الثانیة من الإنتفاضات الشعبیة فی الدول العربیة عام 2019 شکل احتجاجات سلمیة وهی مستمرة فی الجزائر والسودان وتونس. یسعى المحتجون العرب باستخدام التجربة المریرة للموجة الأولى من الإنتفاضات، التی أطلق علیها الغرب الربیع العربی، إلى الإطاحة بالأنظمة الفاسدة التی تحکم بلادهم، بالإضافة إلى محاولة الإطاحة بالدیکتاتوریین. یُظهر التغییر فی الإحتجاج والسلوک السلمی لشعوب هذه البلدان الثلاثة فی شمال إفریقیا فی الموجة الثانیة من الإحتجاجات أن هذه الحرکات مقطوعة الرأس لیست بالضرورة غیر عقلانیة. وعلى الرغم من کل العوائق الداخلیة والخارجیة للمسار المضطرب للدیمقراطیة فی شمال إفریقیا، فإن العقلانیة الجماعیة المستمدة من التعالیم الدینیة والثقافیة والتاریخیة الغنیة قد وجّهت السلوک العام للمتظاهرین بأقل خطأ من الموجة الأولى.

على الرغم من أن شمال إفریقیا على طریق التطورات السیاسیة فی السنوات الأخیرة، ولکن بالنظر إلى المخاطر والمشاکل التی تعترض طریق الدیمقراطیة، فمن المرجح أن تضل الطریق.

فی عام 2019، تحدت الشعوب العربیة مرة أخرى القادة الذین بقوا فی السلطة لمدة عقدین أو ثلاثة عقود وأطاحت بهم فی احتجاجات سلمیة. هذه المرة، لا تسعى هذه الشعوب إلى الإطاحة بالأنظمة الإستبدادیة فحسب، بل تسعى أیضًا إلى تغییر أنظمتها الإستبدادیة والفاسدة. فی هذا الطریق، ستکون الخطوة الأولى هی إنکار الهیمنة العسکریة للحکومة، وستکون الخطوة الثانیة هی إدراک تدخلات القوى الإقلیمیة والدولیة. یمکن أن تکون تجربة الشعب المصری تحذیرًا سواء للشعب المصری أو للجزائر ولیبیا والسودان بعدم الإستهانة بالقوة العسکریة.

کانت الإنتفاضات الشعبیة فی المنطقة تهدف إلى تحقیق قیم مثل الحریة والدیمقراطیة والإصلاح السیاسی والإقتصادی والمجتمع المدنی، ولکن فی بعض الحالات جاءت بنتائج عکسیة، ولم تشهد أی من هذه البلدان أی تحسن فی وضعها الداخلی. ولیس فقط أن هذه الدول لم تحقق الکثیر من النجاح السیاسی أو الإقتصادی، بل على العکس من ذلک، ظهرت اختلافات عرقیة ودینیة عمیقة الجذور، وفقد أمن واستقرار عهد الحکام المخلوعین. أحداث مثل الحرب الأهلیة السوریة فی السنوات التسع الماضیة هی تجربة مریرة لهذه العواقب.

أدّى دور الجهات الفاعلة الإقلیمیة والدولیة فی السباق على السلطة إلى تحویل الناس عن أهدافهم وغیر العدید من المعادلات الإقلیمیة. الأزمة اللیبیة المعقدة هی مثال على هذا التدخل. أدى استیلاء الجیش على السلطة فی بعض البلدان، مثل السودان ومصر، إلى تضلیل احتجاجات الناس، والإحتجاج السلمی، کإستراتیجیة بناءة بأقل تکلفة، لیس فقط قادرًا على مواجهة قمع الأنظمة، ولکنه ضروری أیضًا لتأسیس الدیمقراطیة.

تتطلب الإستراتیجیات اللاعنفیة، مثل العصیان المدنی أو المظاهرات، فی المقام الأول، تعبئة مستمرة للشعب لضمان عملیة دیمقراطیة بعد الإطاحة بالحکام الأقویاء وتحقیق الإستقرار فیها على المدى الطویل؛ لذلک، من الضروری أن یدرک شعب الجزائر والسودان أنّ أمامهما عملیة طویلة وکاملة بعد سقوط بوتفلیقة والبشیر، والإدخال السریع لقائد بدیل من داخل النظام القدیم سیثیر السیناریو المصری. کما أنه لا یمکن لهذه الدول تحیید کافة أشکال التدخل الداخلی والخارجی، وخاصة التدخل العسکری، بالإعتماد على نفسها فقط دون أن تنخدع من قبل عناصر قوى أجنبیة، ومنع تکرار الدمار الذی حدث فی لیبیا وسوریا. أظهرت تداعیات الإنتفاضات الشعبیة فی العالم العربی فی عام 2011، التی أطلق علیها الغرب اسم الربیع العربی، أنّ سقوط الدیکتاتوریات أو انهیار الحکومات فی الشرق الأوسط لا یعنی بالضرورة قیام مجتمع مدنی وإرساء الدیمقراطیة. التعلم من تجارب هزیمة هذه الإنتفاضات الشعبیة فی منطقة الشرق الأوسط وشمال إفریقیا والنتائج التی تم الحصول علیها یمکن أن یمهد الطریق للمحتجین فی شمال إفریقیا لتحقیق الإصلاح الأساسی والدیمقراطیة.

فی الموجة الأولى، واجه الربیع العربی خمسة تحدیات رئیسیة. على الرغم من سقوط الدکتاتوریین مثل معمر القذافی فی لیبیا، وحسنی مبارک فی مصر، وبن علی زین العابدین فی تونس، وعلی عبد الله بن صالح فی الیمن فی الموجة الأولى، إلا أنه من الناحیة العملیة لم تحقق أی من هذه الدول الحریة وسبل العیش الأفضل، بل کانت هناک عواقب وخیمة مثل تعطیل النظام التقلیدی لدول المنطقة، وانتشار انعدام الأمن وعدم الإستقرار، واندلاع الحروب الأهلیة، وإفقار الناس، وحتى الإنقلابات فی بعض الحالات. وتسببت أحداث مثل الحرب الأهلیة السوریة، والأزمة اللیبیة، والحرب الیمنیة، والإنقلاب فی مصر، وظهور جماعات أیدیولوجیة رادیکالیة ومعادیة للنظام مثل داعش والنصرة والحروب بالوکالة، والمزید من انعدام الأمن فی المنطقة والمزید من المنافسة وتدخل القوى فی المنطقة.

فی الموجة الثانیة من الدیمقراطیة الولیدة فی شمال إفریقیا، والتی بدأت فی السودان والجزائر عام 2019 بعد ما یسمى بالربیع العربی، لم تقتصر الشعوب العربیة على تحدی وإسقاط قادة مع عقدین أو ثلاثة عقود من الحکم فی احتجاجات سلمیة، لکن یمکن ملاحظة أنّهم، بالتعلم من العواقب المؤسفة للموجة الأولى، لا یسعون فقط إلى الإطاحة بالأنظمة الإستبدادیة، بل یسعون أیضًا لتغییر طبیعة أنظمتهم القویة والفاسدة. الخطوة الأولى فی هذا الطریق، هی نبذ العناصر الفاسدة للأنظمة السابقة ومنع الجیش من الهیمنة على الحکومة، والخطوة الثانیة هی إدراک تدخل القوى الإقلیمیة والدولیة التی تواصل محاولة التأثیر وخلق الفتنة وتوظیف العناصر التابعة لهم أو المحافظة علیها وتقویتها فی أرکان القوة، لتأمین مصالحهم. النقطة المهمة فی کلتا الخطوتین هی تمییز الأبطال الوطنیین عن الإنتهازیین والحفاظ على الرکائز الأساسیة للبلاد. على سبیل المثال، یعد الجیش الجزائری من أکثر الجیوش الإسلامیة بطولیة وثوریة، وفی المنطقة ضد الإستعمار وعناصره المفتعلة کالصهیونیة والإرهاب. إنّ محاربة العناصر أو القادة المنتسبین والإنتهازیین الذین أصبح بعضهم فاسداً مع مرور الوقت، ومنع هذه العناصر من الدخول إلى الساحة السیاسیة لا ینبغی أن یمنعهم من التهمیش وفقدان هذا الدعم الوطنی المهم.

فی الموجة الثانیة، وحتى بعد سقوط القادة الإستبدادیین، کانت هناک احتجاجات متواصلة من قبل المتظاهرین کل أسبوع لتغییر وإصلاح الأنظمة السیاسیة، ویبذل الناس فی البلدان الثلاثة تونس والجزائر والسودان جهودًا کبیرة فی هذا الإتجاه.

فی تونس التی قادت الموجة الأولى، وتسببت المظاهرات الوطنیة والمثیرة فی عام 2011 فی سقوط بن علی، حسب التجربة یجب أن تستمر الإحتجاجات حتى یتم تحقیق نظام شفاف وخاضع للمساءلة. وهذا یعنی أنّه یجب على الناس إقامة صلة معقولة بین المطالب قصیرة المدى مثل انهیار النظام السیاسی والتطلعات طویلة المدى مثل الإستقرار والأمن ومستقبل أفضل.

فی السودان، علّمت التجربة المصریة الناس أن استیلاء الجیش على السلطة والحفاظ علیها لفترة طویلة یمکن أن یؤدی إلى إعادة إنتاج الدیکتاتوریة وفساد الماضی وتقویض تحقیق الإطاحة بعمر البشیر.

فی الجزائر، استخدم الناس التجربة نفسها لإجبار بوتفلیقة على التنحی، والنزول إلى الشوارع کل أسبوع منذ عام 2019 للإطاحة التدریجیة بفلول الحکومة السابقة وتقلیص الوجود العسکری فی الحکومة وسن دستور جدید للبلاد.

إنّ التغییر فی الإحتجاج والسلوک السلمی لشعوب هذه البلدان الثلاثة فی شمال إفریقیا فی الموجة الثانیة من الإحتجاجات یعد بأنّ هذه الحرکات مقطوعة الرأس لیست بالضرورة غیر عقلانیة. وعلى الرغم من کل العوائق الداخلیة والخارجیة للمسار المضطرب للدیمقراطیة فی شمال إفریقیا، فإنّ العقلانیة الجماعیة المستمدة من التعالیم الدینیة والثقافیة والتاریخیة الغنیة قد وجّهت السلوک العام للمتظاهرین بأقل خطأ من الموجة الأولى.

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است