إنتخابات نوفمبر ومستقبل العلاقات الأمریکیة العراقیة

إنّ زیارة رئیس الوزراء العراقی مصطفى الکاظمی إلى الولایات المتحدة على رأس وفد رفیع المستوى توضح بوضوح دور الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة فی تشرین الثانی (نوفمبر) فی مستقبل العلاقات الأمریکیة العراقیة.
7 ربيع الأول 1442
رویت 900
مجتبی فردوسی پور

إنّ زیارة رئیس الوزراء العراقی مصطفى الکاظمی إلى الولایات المتحدة على رأس وفد رفیع المستوى توضح بوضوح دور الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة فی تشرین الثانی (نوفمبر) فی مستقبل العلاقات الأمریکیة العراقیة. هناک ثلاثة مکوّنات مهمّة لشرح هذا التأثیر. أولاً، التوصل إلى إتفاقیة جدیدة شاملة واستراتیجیة. ثانیاً: إعادة الحصول على امتیاز إتفاقیة النفط للحکومة المرکزیة مع إقلیم کردستان. ثالثاً: عرقلة النهج الأمریکی لتقسیم العراق. تواجه جمهوریة العراق أزمة إقتصادیة خطیرة. وتواجه البلاد عجزاً قدره 51 ملیار دولار فی موازنة 2020 هذا العام، بسبب اعتمادها بنسبة 90٪ على عائدات النفط، وهبوط أسعار النفط فی الأسواق العالمیة من جهة، وأزمة تفشی فیروس کوفید 19 من جهة أخرى. وهکذا، أصبح الإقتصاد العراقی أصغر بنسبة 5٪ عن العام الماضی. وقد تسببت هذه العوامل فی تعرّض العراق لأزمة أکثر حدة من 21 دولة عربیة أخرى فی إقتصادها المعتمد على النفط. ودفع ذلک حکومة الکاظمی للإستفادة من المیزة الإقتصادیة لوجود المستثمرین والشرکات التجاریة والصناعیة فی السوق العراقیة من خلال إتفاقیة إستراتیجیة مع الولایات المتحدة لتعویض العجز الإقتصادی بالإقتراض من البنک الدولی واستخدام المیزانیة لإسکات الإحتجاجات الشعبیة التی بدأت فی أکتوبر من العام الماضی، کالنار تحت الرماد.

 

1- إتفاقیة إستراتیجیة جدیدة:

لا شک أن إعادة العلاقات بشکل جدید بین العراق والولایات المتحدة حاجة متبادلة. کما أوضحنا دخل العراق فی مفاوضات ثنائیة بسبب ضرورة إنقاذ البلاد من الأزمة الإقتصادیة والتحدیات الأمنیة، کما دخلت الولایات المتحدة فی مفاوضات ثنائیة لإستخدام الإتفاقیة مع العراق کورقة رابحة لترامب فی الإنتخابات الرئاسیة. وترأس نواب وزراء خارجیة کل من البلدین الجولة الأولى من المباحثات على أساس اتفاق 2008، ومع التأکید على المبادئ المتفق علیها فی إطار الإتفاقیة الإستراتیجیة والرسائل الدبلوماسیة المتبادلة بین الطرفین وجمهوریة العراق مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (440/2014/S) بتاریخ 25/6/2014 و (691/2014/S) بتاریخ 20 سبتمبر 2014. وتشمل هذه الإتفاقیات أبعاد التعاون الإقتصادی، والطاقة، وأزمة کورونا، وإصلاح الهیکل الإقتصادی للعراق، والدعم السیاسی والأمنی الأمریکی للعراق، وخفض القوات الأمریکیة فی العراق، وکیفیة إستمرار تواجد القوات المتبقیة فی القواعد الأمریکیة فی العراق، ومحاربة داعش. واختتمت المحادثات بزیارة رئیس الوزراء العراقی الأخیرة لواشنطن وجولتها الثانیة.

 

2- إحیاء إتفاقیة النفط فی 2014 بین الحکومة المرکزیة وإقلیم کوردستان:

من المکونات الأخرى المشترکة بین الحکومتین العراقیة والأمریکیة، هی إحیاء إتفاقیة النفط لعام 2014 بین إقلیم کردستان والحکومة المرکزیة العراقیة، والتی لها تأثیر کبیر على الوضع المستقبلی لإقتصاد البلاد. الإتفاق الذی تمّ تشکیله فی عهد أوباما وقد توقّفت مع احتلال المناطق الواقعة بین إقلیم کردستان والحکومة المرکزیة العراقیة وبما أنّ إقلیم کوردستان یفتقر إلى القدرة اللازمة لتورید النفط المستخرج لأسواق البیع، فإنه بحاجة إلى قدرات الحکومة المرکزیة لنقل وتورید النفط للأسواق العالمیة. الحکومة المرکزیة فی حاجة ماسة إلى مکاسب مالیة من مبیعات النفط فی إقلیم کردستان، والتی تقدّر بنحو 15 ملیار دولار فی السنة. وهکذا، ورغم أنّ تجدید الإتفاقیة کان فی صمیم مفاوضات الإتفاق الإستراتیجی، لکن تعتبر إدارة الکاظمی تجدید الإتفاقیة أمراَ ضروریاَ وحتمیاَ، نظراَ لأفکار جو بایدن، منافس دونالد ترامب فی الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة المقبلة، الذی أراد خلال إدارة أوباما تقسیم العراق حسب الطوائف فی البلاد.

 

3-  مقاربة أمریکیة لتقسیم العراق:

منذ احتلال العراق عام 2003، نظرت الحکومات الأمریکیة إلى البلاد على أنّها نموذج للدیمقراطیة والدولة ذات معاییر إصلاح غربیة فی غرب آسیا. على هذا الأساس، أرادوا الحفاظ على سلامة العراق ووحدته لجعل تجربة التغییر الأساسی مرضیة لشعوب المنطقة کما اعتقدوا. لکن هذه الحیلة مع رؤیة التعاون الأمریکی - الکردی المباشر فی العملیة التاریخیة، خاصة مع الزیارات المتکررة للمسؤولین الأمریکیین الحالیین والسابقین إلى القواعد الأمریکیة فی إقلیم کردستان دون إذن الحکومة المرکزیة، ووجهة نظر بایدن الصریح بشأن الإنفصال الطائفی فی جمهوریة العراق ودعمه لإجراء إستفتاء فی اقلیم کردستان بعد تدمیر داعش، کلها دلیل واضح على سیاسة الولایات المتحدة الإنفصالیة تجاه جمهوریة العراق.

خاتمة:

الضغط الأمریکی على جمهوریة العراق بهدف الإبتعاد عن إیران (والصین)، وتقلیص مستوى العلاقات الإقتصادیة خاصة فی مجال الطاقة، وبالتالی الإتجاه نحو الدول العربیة فی الخلیج الفارسی وشرق المتوسط مع الترکیز على تطبیع العلاقات مع النظام الإسرائیلی من خلال إتفاق إستراتیجی، هو مجرد نتیجة لإحتیاجات دونالد ترامب الإنتخابیة. بالمقابل، فإنّ القوة السیاسیة الجدیدة فی العراق، بعد تجاوز الأزمات الأمنیة والإقتصادیة، من خلال توجهها إلى سیاسات الغرب، وخاصة الولایات المتحدة، تسعى لإستغلال الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة کفرصة أمامها؛ أثبتت التجربة أنّ سراب الغرب، وخاصة الولایات المتحدة، لم یحقق شیئاً سوى نهب ممتلکات المنطقة وضمان أمن النظام الإسرائیلی. فی الوقت نفسه، کان استمرار التعاون الإقلیمی على أساس القواسم المشترکة الثقافیة والسیاسیة والإقتصادیة والأمنیة دائمًا شرطًا مسبقًا للتفاعلات البناءة والفعالة والمستقرة.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است