التطورات الداخلیة فی أفغانستان: المخاوف والتعاون

لقد مرّ أکثر من أربعة عقود منذ اندلاع الحرب الأهلیة فی أفغانستان، بعد احتلال البلاد من قبل القوات السوفیتیة السابقة، وما یقرب من عقدین من غزو قوات التحالف الدولی بقیادة الولایات المتحدة لأفغانستان. وتعرّض هذا البلد للصراعات والعنف الدامی المستمر حتى یومنا هذا.
6 ذو الحجة 1441
رویت 891
مجتبی روزبهانی

لقد مرّ أکثر من أربعة عقود منذ اندلاع الحرب الأهلیة فی أفغانستان، بعد احتلال البلاد من قبل القوات السوفیتیة السابقة، وما یقرب من عقدین من غزو قوات التحالف الدولی بقیادة الولایات المتحدة لأفغانستان. وتعرّض هذا البلد للصراعات والعنف الدامی المستمر حتى یومنا هذا.

بالنظر إلى التطورات فی الأشهر الأخیرة، خاصة منذ نهایة العام الماضی، یبدو أن أفغانستان قد وصلت إلى منعطف تاریخی‌هام فی طریق العودة إلى السلام والهدوء. إعتبر توقیع اتفاقیة سلام بین الحکومة الأمریکیة وحرکة طالبان فی 1 مارس 2010 فی الدوحة تطوراً هاماً ومؤثراً جداً فی دفع عملیة السلام فی أفغانستان. وبموجب الإتفاقیة، فی مقابل إلتزام الولایات المتحدة بسحب قوّاتها من أفغانستان، تعهّدت طالبان بعدم تنفیذ عملیات إرهابیة ضد الولایات المتحدة ومصالحها. کما یجب ألا تسمح لأفغانستان بأن تصبح قاعدة للجماعات الإرهابیة ، وخاصة القاعدة.

ذکر الأمریکیون أنّ الغرض من توقیع هذه الإتّفاقیة هو الحد من العنف، من أجل توفیر بیئة مناسبة لوقف محتمل لإطلاق النار وبدء محادثات سلام بین الأفغان. ولتحقیق هذه الغایة، قبلوا إلتزامات الحکومة الأفغانیة بالإفراج عن 5000 سجین من طالبان مقابل الإفراج عن 1000 سجین من الحکومة. وبما أنّ حکومة أفغانستان لم تشارک فی إتّفاقات الدوحة وتوقیع الإتّفاق، فقد کانت هناک مقاومة لمبدأ تبادل السجناء وطریقة تنفیذه وتوقیته، ولم یکن تبادل السجناء ممکناً فی الوقت المحدد. لکن الحکومة الأفغانیة، بحسن نیة ومن أجل إقناع الجانب الآخر بوقف العنف وبدء محادثات السلام، سارعت بإطلاق سراح سجناء طالبان وأطلقت حتى الآن أکثر من 4000 سجین من طالبان. فی المقابل، تدعی طالبان أنها أطلقت سراح 600 سجین حکومی وسلمتهم إلى الحکومة الأفغانیة.

نقطة هامة هنا وهی بعد التوقیع على إتّفاق الدوحة، إستمرت دائرة العنف على مدى الأشهر الأربعة الماضیة، باستثناء فترة قصیرة مدتها بضعة أیام بمناسبة عید الفطر، وحتى فی الأسابیع الأخیرة إزداد العنف بشکل ملحوظ. تشیر التقاریر الواردة من وکالات الحکومة الأفغانیة إلى أن عدد ضحایا العنف تجاوز فی بعض الأحیان 250 قتیلاً وجریحًا فی الأسابیع الأخیرة. فی غضون ذلک، توقفت هجمات طالبان على القوات الأمریکیة وحلفائها وبالتالی، یمکن ملاحظة أحد نقاط الضعف فی إتّفاق الدوحة وحقیقة أن الإتفاقیة لا تفرض أی إلتزام على طالبان بعدم مهاجمة القوات الحکومیة والمنشآت العسکریة والمدنیة.

بشکل عام ، یبدو أن توقیع إتّفاق الدوحة قد عزز موقف طالبان على الساحة الداخلیة الأفغانیة وکذلک على الصعید الدولی. وجعلت لهجة طالبان أکثر حزماً فی مطالبها للحکومة.

من بین الأحداث المهمة التی کان من الممکن أن تعزز موقف الحکومة ضد طالبان، التوقیع على إتّفاق بین القادة السیاسیین الأفغان، وتحدیداَ أشرف غنی وعبد الله عبد الله. بینما شعرت طالبان بقوة أکبر فی الساحة الأمنیة والعسکریة والسیاسیة لأفغانستان مع توقیع إتّفاق الدوحة، والخلافات بین القادة السیاسیین فی البلاد حول نتیجة الإنتخابات الرئاسیة والمأزق السیاسی. وضع الحکومة الأفغانیة فی موقف صعب وضعیف. لحسن الحظ، مع الفهم الصحیح للقادة السیاسیین للحساسیة وتدهور الوضع وجهود الشخصیات الذکیة والخیرة للبلد، وأیضاَ بمساعدة ودعم بعض البلدان، بما فی ذلک الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، أنهى الزعیمان القضیة بتوقیع إتّفاق سیاسی.

فی ذلک الوقت، حاولت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، من خلال إتّصالات السید ظریف المتکررة بالسید غنی والسید عبد الله، وکذلک مع نظرائه الإقلیمیین الفعالین، بما فی ذلک روسیا وقطر والهند وبعض البلدان الأوروبیة، وأیضاَ إرسال السید طاهریان، الممثل الخاص لوزارة الخارجیة فی شؤون أفغانستان إلى کابول ومشاوراته المکثفة مع المسؤولین الأفغان والشخصیات المؤثرة إلى تقریب وجهات نظر الجانبین للتوصل إلى إتّفاق.

أتاح توقیع الإتّفاقیة السیاسیة فرصة لتشکیل حکومة ائتلافیة أو مصالحة بمشارکة القوى السیاسیة داخل الحکومة الأفغانیة، وکذلک إنشاء المجلس الأعلى للمصالحة الوطنیة لبدء محادثات السلام بین الأفغان. مع ذلک، بعد شهر ونصف من التوقیع على الإتفاقیة، للأسف ، لم یکتمل تشکیل الحکومة ولا المجلس الأعلى للمصالحة الوطنیة. ولا توجد أیضاَ معلومات عن التقدم فی تنفیذ بنود أخرى من الإتفاقیة. من ناحیة أخرى، خلق التوقیع على الإتفاق السیاسی إنقسامات فی مجموعتی مؤیدی السید غنی والسید عبد الله، مما قد یؤدی إلى زیادة تفاقم الوضع وإضعاف موقف الحکم فی أفغانستان. لهذا السبب، تغتنم حرکة طالبان وبعض الجماعات المعارضة والمجموعات الحاسمة الفرصة لجعل مطالبهم أکثر جدیة. بما فی ذلک أفادت أنباء أن الحزب الإسلامی قد أعلن أنّه لن یشارک فی محادثات السلام إذا لم یتم إطلاق سراح جمیع سجناءه من السجون الحکومیة.

إجمالاَ حسب:

  1.  الجو العقلی والنفسی الموجود لدى طالبان نتیجة إنتصار هام على الولایات المتحدة ونتیجة توقیع إتّفاقیة السلام؛
  2.  تخفیض القوات العسکریة الأمریکیة وحلفائها من أفغانستان، والتی حوّلت توازن القوى على الساحة العسکریة لصالح طالبان؛
  3.  إطلاق سراح سجناء طالبان والذی یمکن أن یعید تزوید المجموعة بـ 5000 قوة موالیة وذات خبرة؛
  4.  إستمرار الخلافات داخل الحکومة والتأخیر فی التنفیذ السریع للإتفاق السیاسی وتشکیل حکومة جدیدة وکذلک المجلس الأعلى للمصالحة الوطنیة؛
  5.  إضعاف معنویات القوات العسکریة والمدنیةالحکومیة؛
  6.  الإجراءات غیر الکافیة من قبل الجهات الفاعلة الإقلیمیة والدولیة المؤثرة للمساعدة فی التعجیل ببدء محادثات السلام؛

تسبب فی أن تصبح آفاق التطورات فی أفغانستان غامضة ومعقدة. وتؤکد بعض التقاریر الصادرة عن وکالات عسکریة ومدنیة أمریکیة ودولیة وجود مثل هذا المنظور. لمنع إستمرار هذا الإتّجاه، یبدو أن هذه العوامل یمکن أن تکون فعّالة ومفیدة:

  •  التعجیل بإنجاز الحکومة الائتلافیة الحقیقیة وتکوین المجلس الأعلى للمصالحة الوطنیة على أساس إتّفاق سیاسی.
  • دعم مختلف المجموعات السیاسیة، بما فی ذلک، المؤیدة والمعارضة، ومنتقدی موقف الحکومة الائتلافیة من عملیة السلام وتسریع ببدء المفاوضات.
  • وقف الأعمال غیر المسؤولة من قبل الولایات المتحدة واتّخاذ موقف مسؤول ضد استمرار العنف فی أفغانستان.
  • إستمرار المساعدة المالیة والإقتصادیة للدول المسؤولة والدول الداعمة للحکومة الأفغانیة.
  • جهود الجهات الفاعلة الإقلیمیة والدولیة لإقناع طالبان بالحد من العنف وبدء محادثات السلام بسرعة.

فی هذا الصدد، فإن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، تحاول لعب دور إیجابی مع دعم الحکومة الأفغانیة من خلال استمرار العلاقات الودیة والشاملة من جهة، ومن جهة أخرى بتشجیع طالبان على وقف العنف والتعجیل ببدء محادثات السلام من خلال محادثات مباشرة للممثل الخاص لوزارة الخارجیة الإیرانیة فی شؤون أفغانستان مع مسؤولی طالبان فی الدوحة، وعلى ما یبدو أنّ بإمکان الحکومة الأفغانیة الآن الإستفادة من الأجواء المناسبة المتاحة لمواصلة هذه الجهود البناءة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است